مجلة البعث الأسبوعية

أربعائيات.. بحكم المنطق  … ولاشيء غير المنطق..  زيف « الوضع الطبيعي »؟؟…

د. مهدي دخل الله

قد يكون التعامل مع مستوى معيشة الناس أكثر تعقيداً من التعامل مع قضايا الحرب العسكرية . في الحالة الأولى هو تعامل مع النفس والأهل ، أما في الثانية فهو تعامل مع العدو . ويبدو أنها كلها حروب لأن مواجهة مستوى المعيشة نتيجة مباشرة لحرب العدو ضدنا ..

لكن في كثير من الاحيان نتعامل مع النتيجة دون أن نربطها بالسبب ، خاصة وأن الدولة عملت على أن يشعر الناس في المناطق التي تحت سيطرتها بالأمان الكامل ، وأن يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي وكأن الحرب ولت وانتهت . الشعور الزائف ” بالحالة الطبيعية ” يفرض مطالب ” طبيعية ” يخرج بها الناس أمام الحكومة . ويبدو الوضع كله طبيعياً على الرغم من أنه ” غير طبيعي “.

في السنوات الثلاث الأخيرة ، سافرت أكثر من مرة إلى دير الزور وتدمر والبوكمال والميادين والحسكة والقامشلي . كما ذهبت إلى السبخة ودبسي عفنان ( الرقة ) وأبو الضهور ( إدلب ) وغيرها . أعضاء قيادة الحزب جميعهم قاموا بجولات في جميع أنحاء الوطن ، خاصة تلك المحررة حديثاً وغير المحررة أيضاً ( الحسكة ). كنا عندما نعود إلى المدن الآمنة ، خاصة دمشق ، نشعر أننا في عالم آخر ، عالم ” طبيعي ” ، وكأن الحرب فيه فعلاً قد انتهت .. لكنها ليست كذلك .

لا يمكن معالجة النتيجة بوجه كامل دون معالجة السبب الذي هو مجموعة حروب لا سابقة لها في  التاريخ ، حجماً وتنوعاً وتكالباً لأعتى قوى العالم المعاصر ضد بلد صغير نسبياً . مهما كانت السياسات المتبعة للتعامل مع مستوى المعيشة هي تبقى مجرد جهود ومحاولات لاختيار الأقل سوءاً بين الخيارات المطروحة والمشروطة بالسبب الأساسي ( الحرب ) .

من المعروف أن أي معالجة لوضع الناس تتطلب مصادر . هذه البدهية الأساسية لأي سياسات . فإذا كانت المصادر مختطفة يعني أن تحرير المصادر أساس مستوى المعيشة ، وهكذا يبدو أن مواجهة العدو ليست مجرد تحرير للأرض ، وإنما هو تحرير لمصادر مستوى المعيشة أيضاً ..

سؤال مرير يُطرح : هل تهيئة ظروف طبيعية من الناحية الأمنية في المناطق التي تسيطر عليها الدولة حل مناسب ؟؟.. المعارضون يقولون أن خطورة الأمر هي في أن الناس يشعرون وكأن الحرب انتهت فيطالبون بمستوى معيشة في ظروف السلم والأمن ، أي أن هناك نوعاً من الشعور الزائف بحالة السلم . أما الموافقون فيؤكدون أن الحالة الطبيعية في المناطق الشرعية تعزز الأمل لدى الناس بأن النصر قادم لا محالة ، وهذا مهم للوعي العام . أعتقد أنهما خياران أحلاهما مرُّ . أيهما هذا الأحلى ؟.. لا أعرف .

mahdidakhlala@gmail.com