مجلة البعث الأسبوعية

“بريكس +”.. إعلاء لصوت العرب وضمان لأمنهم

البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد   

ينطلق تحالف بريكس من مجموعة من البنود الاقتصادية والسياسية وفي مقدمها   دعم الدول الأعضاء من أجل سداد ديونها، وتمويل البنية التحتية والمشاريع المناخية في البلدان النامية، وتجنب ضغوط السيولة على الدول الأعضاء، ناهيك عن الهدف الأسمى حالياً وهو تقليل تأثير الدولار على حركة التجارة العالمية وتأسيس عملة أفضل للتجارة، وخاصةً مع تداعيات الحرب الأوكرانية على اقتصادات جميع البلدان، ونفور معظم الدول من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في معاقبة الدول عبر الدولار والسيطرة على التحويلات المصرفية العالمية وتجميد الأرصدة، والعقوبات الأحادية التي أدّت إلى تدهور اقتصادات العديد من الدول.

وما يميز توسع “بريكس” إلى “بريكس +” هو انضمام ثلاث دول عربية إليه السعودية والإمارات ومصر، في حركة تحمل معطيات ودلالات للدور العربي في صنع القرار العالمي وتنشيط التنمية المستدامة على معظم ساحات العالم بعيداً عن سياسة الغطرسة الغربية وحروبها الناعمة وصراعاتها بالوكالة التي انتهجتها للفتك بالدول التي لا تسير وفق سياسات الناتو والغرب الجماعي، كما سيساعدها على التحوّط سياسياً واقتصادياً إبان نظام الاقتصاد العالمي الحالي الذي يرتبط باقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، مثلما شهدنا كيف أثر رفع أسعار الفوائد في أميركا على باقي اقتصادات العالم وذلك للارتباط الوثيق بينهما.

إن انضمام هذه الدول العربية إلى الحلف سيعني تحقيقها المزيد من الاستقلال الاقتصادي، وهذا يعني بالضرورة تحقيق الاستقلال السياسي، في وقت تتابع فيه الإدارة الأمريكية استخدام الاقتصاد كسلاح، إذ سيشكل الحلف مظلة اقتصادية آمنة للأعضاء، وسيسهم في الحدّ من النفوذ الغربي في العالم العربي. كما سيعلي صوت العرب إبان القضايا العالمية الكبرى والمصيرية، وسيزيد من تأثيرهم عبر الدول المنضمة في صناعة القرار الدولي، والدفع بتحول السياسة العالمية نحو الأفضل.

وتعد الإمارات والسعودية من أكبر الشركاء التجاريين لدول المجموعة في المنطقة، وانضمامهما إلى “بريكس” يدعم إستراتيجيتهما القائمة على الانفتاح في ظل التحولات العالمية الجارية التي يشهدها العالم وسط توترات جيوسياسية وعقوبات متبادلة بين موسكو من جهة، وواشنطن وعواصم دول أوروبية من جهة أخرى، أما انضمام مصر فيحمل لها الكثير من الفرص والمزايا، خاصةً على صعيد التنمية والتجارة والاستثمار، فحجم التبادل التجاري بينها وبين “بريكس” يتجاوز 31 مليار دولار، ويمنحها الانضمام متنفساً أوسع للتحرر من قبضة الدولار بتوسيع معاملاتها التجارية بعملات محلية.

ويأتي انضمام دولة الإمارات إلى “بريكس” تتويجاً لجهودها في تعزيز دورها في الاقتصاد العالمي، وشهادة على مكانتها المتميزة كقوة اقتصادية كبرى، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها 1.4 تريليون دولار، ويفتح المزيدَ من الفرص لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الأعضاء، ويحقق اقتصادها النمو السريع ضمن اقتصاد متنوع يعتمد على العديد من القطاعات، استعداداً لمرحلة ما بعد النفط، وقد أعلن صندوق “بريكس” عن تخصيص 15 مليار دولار لدعم إنشاء شبكة للطاقة الشمسية في الدول الأعضاء، وهو مشروع يتوافق مع رؤية دولة الإمارات للطاقة المتجددة.

وعلى الصعيد السياسي فإن هذه الخطوة تعزز دور الإمارات في دعم التعددية والسلام والتنمية لتحقيق رفاهية وازدهار الشعوب، كما شاهدنا إشارات متعددة من الإمارات موجهة نحو الإدارة الأمريكية بالتوازي مع خطوة الانضمام كانسحابها من تدريبات بحرية مع القوات الأمريكية في الخليج العربي مؤخراً، وخاصةً بعد رفض أمريكا بيع الإمارات طائرات “إف 35”. من جهة أخرى نلمس المساعي الصينية في تحقيق تهدئة وسلام بين الإمارات واليمن لتحقيق بيئة عمل مناسبة للتنمية في المنطقة وإكمال خطى مبادرة طريق الحرير.

وعلى المقلب المصري، ستتمحور الاستفادة من الانضمام في تغيير معاناة الواقع الاقتصادي نحو الأفضل، وحل أزمات التمويل بالدولار التي تعيق نموها الاقتصادي في الفترة الحالية، والاستفادة من قروض بنك التنمية التابع لبريكس دون شروط صعبة أو تدخلات في السياسات الداخلية على غرار ما يقوم به صندوق النقد الدولي، إضافةً إلى تحسين العلاقة مع منتجي النفط الخليجيين ضمن “البريكس”، وشراء النفط منهم عبر اتفاقيات طويلة الأجل وبأسعار معقولة.

من جهةٍ أخرى ستشكل مصر بوابة سياسية واقتصادية هامة لدول “بريكس” في شمال إفريقيا، كما ستشكل ملتقى طرق للحلف بين قارات أوروبا وآسيا وإفريقيا من خلال معبر قناة السويس الأهم في العالم، وبالتالي سيصبح للحلف ورقة سياسية تجارية كبرى من خلال انضمام مصر إليه.

وعلى الجانب السعودي سيزيد الانضمام إلى الحلف من فرص التوافق مع إيران بعد المصالحة الصينية التي تسعى لإحلال الأمن والأمان في منطقة الخليج لترسيخ مشروع طريق الحرير، ما يشكل عودة قوية للصين إلى الشرق الأوسط، كما سيعزز الانضمام من تنفيذ الرؤى السعودية في بناء الشراكات المتعددة والمتنوعة، لدعم مسيرة التنمية داخل المملكة، وتعزيز الترابط الاقتصادي والتنموي بين دول العالم، وتعزيز الترابط والتعاون مع دول جنوب العالم في ظل زيادة الاستقطاب الدولي بفعل سياسات الغرب، في وقت سيقوي وجود المملكة الحلف نظراً لحجم اقتصادها الكبير وموقعها الاستراتجي في الشرق الأوسط والعالم، ناهيك عن دورها السياسي العالمي، وسيزيد من ترابط المملكة مع الدول العربية ومع دول الشرق الأوسط، وفتح أقنية تعاون مع الجامعة العربية وعدد من الكنتونات مثل “آسيان”، كما سيعزز مساعي السعودية في إقامة القمة “السعودية الإفريقية” و”العربية الإفريقية”.

ولا يخفى الدور السعودي كأكبر مصدر للنفط الخام في العالم، حيث ستجعل من “البريكس” كتلة تضم معها أكبر مستورد للنفط في العالم، وهو الصين، كما أن روسيا والسعودية وكلاهما عضو في “أوبك +”، ستنضمان معاً في كتلة اقتصادية جديدة ضدّ الهيمنة الغربية والأمريكية على أسعار النفط وافتعالها حروب الطاقة، ما سيحقق أمان الطاقة لدول الحلف.

إن انضمام مصر والسعودية والإمارات سينعكس إيجاباً على المستوى الوطني للدول الثلاث، وعلى منطقة الشرق الأوسط بالكامل، بالنظر للتوازنات التي تحدثها المجموعة، كما سيعزز استفادة الشرق الأوسط من تعدد الأقطاب، وتحقيقه للتوازن الاقتصاد العالمي عبر وجود “قطب جنوبي” آخر لا يقل عن القطب الشمالي السابق على جميع الصعد بما فيها الوصول نحو التحالف الأمني وربما العسكري، ما يشكل أملاً في الحد من دعم بعض الدول في تسلطها على جاراتها، ويقضي على الإحتلالات والحروب بالوكالة وتحقيق الأمن الغذائي وأمن الطاقة وكل أمن تحاول القوى الأنغلوساكسونية زعزعته لاستغلال الشعوب.