وسط غياب الاستراتيجية والتخطيط… كرتنا تحتاج الخبراء والأخصائيين وتفتقد الجوانب الهامة في الإدارة والتنظيم والتسويق
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
لم يكن مفاجئاً للجميع قرار اتحاد كرة القدم تأجيل الدوري الكروي الممتاز لمدة شهر من موعد انطلاقته التي كانت مقررة في الجمعة الماضية إلى 22 من الشهر المقبل، والحكاية الجديدة هذه من حكايات اتحاد كرة القدم التي بقيت حديث الشارع الكروي منذ أن أصدر الاتحاد روزنامة الموسم وقد ذُهلت أنديتنا من الموعد ولم يكن راضياً عن هذا الموعد إلا فريق الفتوة وهذا النادي كان رضاه من مبدأ ان الموعد يناسبه لأنه كان أول الفرق استعداداً وتعاقداً مع اللاعبين وقد سحب أفضل نجوم الدوري إلى صفوفه فهو أكثر الأندية استقراراً على الصعيد الإداري والمالي وهذا الأمر يجب أن يفخر به كل عشاق النادي، وإن بدأ اليوم يدفع ضريبة خياره الخاطئ للمدرب فاستقال المدرب أو أقيل لنصل إلى مفهوم الأخطاء الاستراتيجية التي ترتكبها إدارات الأندية بالخيارات الخاطئة التي قد تدفع جراء ذلك ثمناً باهظاً.
أوضاع متقلبة
بعيداً عن نادي الفتوة ومشكلته المستحدثة فإن الأندية التي أسعفها الحظ وقد سارعت إلى تجهيز فرقها بالسرعة الممكنة كانت فرق تشرين وحطين والوحدة، لكن بعد نهاية بطولة الوفاء والولاء شعر البحارة أن فريقهم بحاجة إلى المزيد من الوقت لرفع الجاهزية والبدنية كما ألمح المدرب إلى حاجة الفريق لعدد من اللاعبين لتقوية بعض المراكز والصف الاحتياطي، ورغم رضا أبناء الحوت عن فريقهم فإن الطلب كان بالمزيد من الاحتكاك وجرعات التدريب ليدخل الفريق في الانسجام المطلوب وهو غاية قصوى لأن آمال الفريق وأهدافه تتلخص بالهروب من مواقع المؤخرة التي لازمت الفريق والدخول في عمق المنافسة ليكون أحد أركانها.
بالوقت ذاته وبعد أن لعب الوحدة مباراتين ورغم اكتمال صفوفه بشكل معقول ومرضي إلا أن إدارة الفريق وجدت أن الحاجة باتت ماسة لكسب المزيد من الوقت في رفع جاهزية الفريق الفنية والبدنية والعمل على تحقيق أكبر قدر من التناغم والانسجام بصفوف الفريق فعشاق البرتقالي يرون أن الوقت قد آن ليكون فريقهم بين فرسان المقدمة المنافسين على اللقب.
بقية الفرق عانت من أوضاع متعددة وكل نادٍ عاش بهم مغاير لغيره، ربما اجتمعت أسباب العجز المالي وفقر الحال والديون المتراكمة في جميع الأندية فهربت الكثير من الإدارات من أنديتها حتى لا تتورط بالدفع أو تجعل ناديها عرضة للدمار لعل آخرين يأتون إلى النادي قادرين على تحمل مشاكله ومتاعبه وهمومه المالية، وهذا الأمر عطّل العمل فوقفت أغلب الأندية في حيرة بين قديم رحل وجديد لم يأت بعد، لذلك انتظرت الأندية إداراتها الجديدة التي عملت ما بوسعها على تدارك الوقت وحاولت قدر الإمكان جذب ما تبقى من لاعبين وخصوصاً أنه بفترة الصمت الإداري غادر هذه الأندية الكثير من لاعبيها دفعة واحدة كفريق الوثبة الذي هجره أربعة عشر لاعباً ولم يبق من نجومه إلا القليل ممن دافع عن ألوانه في السنوات الماضية، والكرامة أيضاً كان بوضع مشابه وإن كانت خسارته باللاعبين أقل لكن الظروف التي مر به إدارياً ومالياً شبيهة بالظروف التي عاشها جاره الوثبة.
أما فريقا الساحل والحرية وهما الوافدان الجديدان حاولا قدر المستطاع تجاوز كل الأزمات مع تأسيس فريق يضم اللاعبين الذين رفعوه إلى الممتاز وآخرين من ذوي الخبرة، لكن المشكلة التي وقفت أمامهما هي الوقت فالفريقان بحاجة إلى المزيد من الوقت ليحققا الوجود البدني على الأقل في هذه الزحمة التي تتطلب دفعاً معنوياً كبيراً ليثبت الفريقان وجودهما في الدوري لا أن يعودا سريعاً إلى مجاهل الظلمات.
الطليعة كان الأكثر سوءاً في الفترة الماضية لأن تشكيل الإدارة تأخر كثيراً وبات النادي يبحث عن لاعب هنا وهناك لتكتمل صفوفه، ولأن الفريق لم يكتمل بالشكل المطلوب ولم يتمرن إلا تمارين قليلة فلم تتح له الظروف للعب مباراة تجريبية واحدة فكيف كان سيدخل الدوري؟
جبلة تمرن بصمت وجمع عدداً من اللاعبين لكنه في هم البحث عن الدعم خسر العديد من اللاعبين المؤثرين بالفريق وبدأ يلملم أوراقه من جديد ويستعيد عافيته ولكن الوقت لم يسعفه كما يجب ليدخل الدوري كما كان مقرراً له.
زعيم الكرة السورية فريق الجيش تشكلت إدارته الجديدة قبل وقت ليس بالقصير ومن طبيعة هذا النادي المؤسساتي أن يعمل وفق منهجية معينة تخص تبعيته الوزارية ولا بد من خطوات صحيحة في كل تنقلاته وعقوده فكل أموره يجب أن تكون مسايرة للقانون الذي يحكم عمله، وهذا بالطبع أدى لتأخر الفريق في الدخول بمرحلة التحضير والأسبوع الماضي بدأ بتوقيع عقود لاعبيه ولعب مباراة واحدة تدريبية مع فريق الوحدة على ملعبه، وهذا بالطبع غير كاف لدخول معترك الدوري من أوسع أبوابه.
ربما فريق أهلي حلب كان خارج هذه الحسابات لأنه استعد بطريقته الخاصة بشكل مبكر من أجل مباراة الملحق الآسيوي مع فريق شباب الخليل الفلسطيني التي أوصلته إلى دوري المجموعات في بطولة الاتحاد الآسيوي إلى جانب فريق الفتوة.
هذا هو الواقع الذي تعيشه أندية الدرجة الممتازة التي لا يخفى على أحد أوضاعها وظروفها وتقلباتها ومع ذلك كان الاتحاد في واد بعيد عن مصلحة الدوري وكرة القدم والأندية، والغريب أن الأندية كلها طالبت اتحاد كرة القدم بتأجيل الدوري في الجمعية العمومية لكن اتحاد كرة القدم لم يوافق على التأجيل وهذا الأمر ليس له علاقة بجدول الأعمال أو بالتصويت، لكن الرفض كان من أجل الرفض وتمرير روزنامة المسابقات كما تم وضعها والتي لم تراع ظروف الأندية كلها لدرجة أن بعضهم أشار إلى أن اتحاد كرة القدم انحاز إلى أحد الأندية على حساب البقية!
تغير غريب
اتحاد كرة القدم أراد تهدئة الأندية فطلب منهم أن يرسلوا طلبات موقعة من رئيس النادي حصراً يطلبون فيه بتأجيل الدوري، ومع ذلك لم يستجب اتحاد كرة القدم لكل هذه الطلبات وأصر على موقفه، والغريب أنه قبل ساعات من صدور قرار التأجيل كان رئيس اتحاد كرة القدم يصرح لوسائل الإعلام: لا تأجيل للدوري وجميع الأندية تعلم موعده قبل وقت كاف!
وهنا يتبادر إلى الجميع سؤال مهم: ما الذي جرى حتى تغيرت المواقف بين ساعة وأخرى؟
الأخبار الواردة أن الأندية أوصلت شكواها إلى رئيس الاتحاد الرياضي الذي دعا اتحاد كرة القدم ورؤساء الأندية إلى اجتماع في المكتب التنفيذي لتقرير وضع الدوري بين الانطلاق بموعده والتأجيل، ولكن اتحاد كرة القدم شعر بحراجة موقفه بعد أن علم ان المكتب التنفيذي سيوافق على التأجيل دون أدنى شك، وليحفظ ماء وجهه سطر قرار التأجيل قبل انعقاد الاجتماع وإضافة لذلك حتى لا يقال: إن المكتب التنفيذي يملي على اتحاد كرة القدم ما يريد.
بهذا القرار نشعر أن العدالة تحققت للدوري لأن بالتأجيل فيه فائدة كبيرة وربما منحت بعض الفرق فرصة لتقوية صفوفها وبعض مراكز اللعب مع تحضير كاف وواف فتصبح معادلة تكافؤ الفرص أفضل من الوقت الذي تحدد سابقاً، وهنا لا بد من الإشارة إلى الأخطاء الاستراتيجية التي بات يقع فيها اتحاد كرة القدم كثيرة وكأن هناك من يقوده إلى المجهول، فالكثير من القرارات باتت تثير العجب وترسم أكثر من إشارة استفهام عريضة؟
فوائد أخرى
من المؤكد أن قرار التأجيل له الكثير من الفوائد الأخرى، فما قام به اتحاد كرة القدم من استعداد يعتبر كلاسيكياً عبر دورات اعتيادية سواء للحكام أو المراقبين أو المنسقين الإعلاميين وهذا غير كاف لأن مسؤولية اتحاد كرة القدم أكبر من هذه المسائل الإدارية وإن كان من الضروري وجودها، وللأسف فإن هذه الدورات كانت مختصرة كثيراً وكنا نتمنى لو أقيم لها دروساً عملية بحيث يتابع المراقبون ما تعلموه على الطبيعة من تطبيق عملي ليعرف كل مراقب مهامه، ومثل ذلك بقية الاختصاصات، لكننا في هذا الجانب مقصرون وعلينا أن ندرك أن نجاح الدوري يسبقه نجاح في الأمور الإدارية والتنظيمية.
المطلوب من اتحاد كرة القدم السعي لصيانة الملاعب لتكون بجاهزية مقبولة على الأقل، صحيح أن موضوع الملاعب ليس من اختصاص اتحاد كرة القدم لكن بإمكانه أن يتقدم خطوات واسعة بهذا الاتجاه سواء محلياً أو عبر الدول الصديقة أو الاتحادين الآسيوي والدولي، ومشكلة الملاعب ليست مقتصرة على ملاعب الدرجة الممتازة فبعد أقل من شهر يبدأ دوري شباب الممتاز وللأسف فإن هذه الملاعب سيئة للغاية والأسوأ منها مرافقها الصحية ومشالح الفرق والحكام، وإذا كانت أرضيات الملاعب بحاجة إلى مئات الملايين لإصلاحها فإن المرافق لا تحتاج إلى هذه المبالغ، فمن الضروري أن تجد الفرق مشلحاً نظيفاً ومرافق صحية لائقة وماء عذباً.
وكلما سألت التنفيذيات ومسؤولي الملاعب عن هذه المشكلة فيقولون: لا يوجد مال ولا يوجد اعتمادات، وهذه مشكلة كبيرة تحتاج إلى الحل، وإذا كان عدم توفر المال هو السبب فعلينا أن نتضامن من أجل توفير المال، وأول أشكال التضامن أن تدفع الفرق أجرة الملعب الذي تلعب عليه، ويتم تحويل هذه الأجرة مقابل الصيانة والإصلاح، وكما علمنا أن بعض المباريات تعهد بعشرات الملايين وتصل لأكثر من خمسين مليوناً فلا يمنع أن تساهم الأندية بهذا الموضوع الشائك من اجل فرقها المختلفة، وكما يجري في صالات السلة يجب أن يجري في ملاعب كرة القدم، وإذا كان أهل السلة أكثر دعماً وحظوة وقادرين على جلب مال الصيانة والتحديث في صالاتهم فعلى أهل الكرة أن يسلكوا الطريق ذاته وهذه يجب أن تكون بتحرك كبير من اتحاد الكرة.
من جهة أخرى لم يوفق حتى الآن اتحاد كرة القدم بالتعاقد مع رعاة للدوري، وعلى ما يبدو أن الاتحاد ضعيف بعمليات التسويق ولا بد من أخصائيين لهذه المهمة، هناك المزيد من الدخل عبر عمليات الدعاية والإعلان والنقل الإذاعي والتلفزيوني وعلى النت وهو يدر على الاتحاد الكثير من المال وهو حق للأندية بلا شك ويجب توزيع هذه المداخيل عليها لأنها سبب وجودها فبدون الأنية لا يقام دوري ولا تنقل مباراة ولا يتم وضع إعلان واحد في الملعب، هذا الموضوع بحاجة إلى اجتهاد كبير ومخلص فالإعلانات والنقل هما خبز كرة القدم وهما من أهم الموارد التي تدر على كرة القدم الكثير من المال وليكن اتحاد السلة نموذجاً في عملياته التسويقية سواء على الوسائل الإعلامية المعروفة أو عبر البرامج الرياضية والنقل المباشر للمباريات، كل هذه يمكن أن تستثمر بشكل صحيح لتعود على الأندية بالفوائد المالية الضخمة.
بالمحصلة العامة كرة القدم تحتاج إلى قيادة محترفة، فالموضوع ليس تعيين مدرب وفرض عقوبة ووضع روزنامة نشاط وسياحة وسفر بكل قارات العالم، الموضوع أكبر من حجمنا ونحتاج فيه لخبراء وأخصائيين في الإدارة والتنظيم والتسويق والإعلان.