معارضة روسية جزائرية للتدخّل العسكري.. النيجر تفرض على “إيكواس” دراسة العواقب
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
واضح أن الصراع في قارة إفريقيا بأكملها، وليس فقط في النيجر وبوركينا وفاسو ومالي، يدور حول نقطة جوهرية وهي خروج القوات الفرنسية من القارة بأيّ ثمن من الأثمان، وذلك لأن مطالب الشعوب الإفريقية تنحصر بالجملة في هذه القضية، حيث يزداد الوعي الشعبي بضرورة إخراج فرنسا من إفريقيا، بسبب الممارسات الاستعمارية التي مارستها هناك على مدى عقود من الزمن، فباريس لا تزال إلى الآن تعمل على الإبقاء على سيطرتها على هذه الدول سواء عبر الاستعمار المباشر المتمثّل بوجود قواعدها العسكرية هناك، أم عبر الاستعمار بالوكالة من خلال تعيين حكام لهذه الدول موالين لباريس.
وأيّاً يكن من أمر هذه الانقلابات المتوالية التي تحدث في القارة الإفريقية بين الفينة والأخرى، فإننا نستطيع أن نجد ناظماً وحيداً لها وهو الصراع القائم بين عملاء الاستعمار القديم من الحكام الأفارقة، والشعب الإفريقي الذي يرنو إلى الانعتاق من الاستغلال والاستفادة من ثرواته الهائلة التي تقوم فرنسا بسرقتها بشكل ممنهج وإبقاء الشعوب الإفريقية مستعبدة لها.
هذا التوجّه نحو التخلّص من الاستعمار الفرنسي قادته الجزائر بشكل علني عبر أكثر من مناسبة، وهي التي فتحت عيون الأفارقة على ضرورة التشبيك فيما بينهم لإخراج القوات الفرنسية من إفريقيا، وكان لها الدور البارز في رفع الأصوات هناك بضرورة محاسبة فرنسا على إرثها الاستعماري في إفريقيا وإجبارها على الاعتذار عن ماضيها الدموي هناك، ومن هنا ليس غريباً أن نجد الأعلام الجزائرية ترتفع في أيدي المتظاهرين الأفارقة عقب كل مناسبة تدعو إلى خروج فرنسا من القارة، سواء أكانت انقلاباً أم عيداً وطنياً لهذه الدول.
وعلى خلفية التهديد بالتدخّل العسكري في النيجر، تعهّد المجلس العسكري الانتقالي هناك، بمواصلة النضال للوصول إلى “اليوم الذي لن يكون فيه هناك أي جندي فرنسي في البلاد”.
وبعد إمهال السفير الفرنسي 48 ساعة لمغادرة البلاد، احتشد نحو 20 ألف نيجري في العاصمة نيامي لدعم العسكريين الانقلابيين، حيث قال عضو المجلس العسكري الكولونيل إيبرو أمادو: إن “النضال لن يتوقّف حتى اليوم الذي لن يكون فيه هناك أي جندي فرنسي في النيجر”.
فالأمر في حقيقته ليس انقلاباً على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً كما تحاول باريس وأتباعها تصويره، وإنما هو رغبة عارمة لدى الشعب النيجري وسائر شعوب القارة في التحرر من الاحتلال الفرنسي وإدارة شؤونها بنفسها، بعيداً عن الهيمنة الفرنسية على القرار واستغلال ثروات الشعوب ونهبها وسرقتها تحت عناوين كاذبة تتلخّص في المساعدة على الحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب الذي قامت فرنسا نفسها بزرعه لإيجاد ذريعة لإبقاء قوّاتها هناك.
ولولا أن الأمر على هذا النحو من الوعي لدى الشعب النيجري، لما كان للمتظاهرين أن يرفعوا أعلام النيجر والجزائر وروسيا في المدرجات، حيث يؤكّد هذا التصرّف أن الانقلاب كان مدعوماً شعبياً قبل وقوعه، وأن قادته يستندون إلى قاعدة جماهيرية قوية مستعدّة للذهاب إلى أبعد الحدود لحمايته، وخاصة أن الجزائر وروسيا دعتا غير مرة إلى إنهاء النهب الفرنسي لموارد القارة الفقيرة وتمكينها من ثرواتها بدلاً من استغلال شعوبها على هذا النحو، حيث تحوّلت فرنسا عبر تاريخها الاستعماري الطويل للقارة إلى أكبر متاجر بالرق في العالم.
ومن هنا، فإن الإصرار الغربي وخاصة الأمريكي على التوصّل إلى حل دبلوماسي للأزمة هو محاولة فعلية لاحتواء توجّه الشعوب الإفريقية نحو روسيا التي تعمل بشكل حثيث على الشراكة المتوازنة مع دول القارة وزيادة فرص التنمية فيها بعيداً عن الاستغلال والتبعية، الأمر الذي يشكّل دعوة غير مباشرة منها للتخلّص من النفوذ الفرنسي في القارة واستبداله بالأمريكي، وخاصة أن الأخيرة لم تبذل أيّ جهد في سبيل إيصال القمح والأسمدة إلى القارة، رغم أن روسيا تعهّدت بإرسال هذه المواد مجاناً إليها، ولكن الغرب لا يزال إلى الآن يعرقل وصول هذه الإمدادات تحت عنوان العقوبات الغربية المفروضة على موسكو على خلفية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
وقد زادت الحكومة الفرنسية طين العلاقات المتوترة مع الشعب النيجري بلّة بعد رفض السفير الفرنسي الاستجابة لدعوة من وزارة الخارجية من أجل مقابلة، بالإضافة إلى “تصرّفات أخرى من الحكومة الفرنسية تتعارض مع مصالح النيجر”، الأمر الذي دفع الشعب إلى دعم المجلس الوطني لحماية الوطن، غداة قراره طرد السفير الفرنسي في النيجر سيلفان إيتي، وأكملت ذلك برفضها مطالبة السلطات العسكرية في النيجر بمغادرة سفيرها معتبرة أن “الانقلابيين ليست لهم أهلية” لتقديم طلب كهذا، ما دعا السلطات الانتقالية في النيجر، إلى التصريح بأنها لا تتحمّل مسؤولية ما قد ينجم في حال رفض السفير الفرنسي مغادرة البلاد، مع قرب انتهاء مهلة الـ48 ساعة التي منحته إياها.
المجلس العسكري مستنداً إلى دعم واضح ومعلن من جارتيه بوركينا فاسو ومالي، وآخر غير معلن من الجزائر وروسيا، أعلن حالة التأهّب القصوى في البلاد تحسّباً لتدخّل عسكري وشيك أعلنت عنه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” بدعم واضح من باريس المتضرّر الأول مما يجري في إفريقيا الآن.
وفي جميع الأحوال تدرك دول المجموعة جيّداً أن أيّ تدخّل عسكري في النيجر يمكن أن يهدّد الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء برمّتها وليس فقط في النيجر، وذلك أن الجماعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة ابتداء من “داعش” والقاعدة تنتظر الفرصة المواتية لها للتمدّد في القارة، وهي حالة انعدام الأمن التي يمكن أن يؤدّي إليها هذا التدخل، وليست نيجيريا ولا غانا في منأى عن مثل هذا السيناريو، وبالتالي فإن مسألة التدخل عسكرياً ستجد معارضة كبيرة من الجزائر التي عانت كثيراً من انتشار الإرهاب على حدودها الشرقية في ليبيا المجاورة، وليست في وارد المغامرة بانتشار هذا الإرهاب على حدودها الجنوبية.