فلاحنا وزراعتنا.. أولاٌ.. وأولاً.. وأولاٌ!!
قسيم دحدل
حيرة وضعته مرغماً أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الإقدام (وهذه مغامرة)، وإما الإحجام (وهذا جبن) ومخالف لكلّ معتقداته واحتياجاته التي تَعتبر أن الزراعة “سُنَّة”، خاصة وأن الحياة فطرته على حب الأرض والزرع وتقديسهما.
تلك الحال التي يتشاطر فيها الهمّ مع الكثير من نظرائه الفلاحين والمزارعين، سببها التكاليف الباهظة التي سيتكلفها فيما لو استطاع اتخاذ قرار الزراعة للموسم 2023 – 2024.
ضرب أخماس حساباته بأسداسها، لعلَّه يصل إلى حل يطمئن له قلبه وتقرُّ به عينه، لكن دون جدوى، فالحيرة التي خلفتها نتائج غلّته من القمح في موسم 2022 – 2023، ورغم أنها كانت وفيرة نسبياً، إلاَّ أن عائدها المادي لم يكن ليعوّض عليه مصاريفه التي أنفقها، حيث ورَّد لمركز تسويق الحبوب في منطقته نحو 52 طناً من القمح بسعر اعتبره كما غيره من الفلاحين “بخساً” مقارنة بالتكلفة (2700 ليرة للكغ)، الأمر الذي لم يترك له ربحاً صافياً يُذكر، ولاسيما أنه المحصول الوحيد سنوياً الذي يعتمد عليه في تأمين مورد مالي يقوى به على متطلبات الحياة المعيشية له ولعائلته.
إن دورة رأس المال في عملية الإنتاج الزراعي، وإضافة إلى ما يحفها من مخاطر، غير مجدية اقتصادياً وحال فلاحنا على ما هي عليه، ولاسيما أن كتلة رأس المال ليست بالقدر الكافي الذي تمكّن الفلاح من استدامة عمله الزراعي، كما أن نسبة الأرباح الهزيلة لا تمكنه من تأمين هذه الاستمراية والتعويض في حال حدوث طارئ كالحريق والعوامل الجوية، ولو أتيح لنا المقارنة فيما يقدّم للصناعيين والتّجار ورجال المال والأعمال في غير قطاع، كالسياحة مثلاً، من تسهيلات وميزات ومحفزات، لتبيّن لنا مدى المظلومية التي لا يزال يرزح تحتها فلاحنا وزراعتنا!!.
زرع وزرعوا ليُطعموا وطناً، لكن من يُطعمهم؟!، هذا لسان حال فلاحنا وفلاحتنا عامة، حيث فاقمت الأحوال المناخية وتغيراتها معاناته المزمنة مع الفكر الذي لا يزال ينظر للزراعة نظرة “دونية” في سلم الأمن والأمان الاقتصادي والاجتماعي، ولا أدلّ على ما نذهب إليه من رأي، استمرار الإبقاء على حالة الإفقار غير المفهومة للفلاح، عن طريق الحؤول دون تمكينه من تحقيق الإيرادات المالية الكافية والكفيلة بالحصول على مستلزمات ومدخلات العملية الإنتاجية، إذ ورغم كلّ التصريحات الرسمية حول “دعم” الفلاح والزراعة، إلاَّ أن ما يتمّ تقديمه لهما ضعيف جداً، فلا يكاد يمرّ يوم دون أن نقرأ ونسمع العديد من الشكاوى التي تتناول موضوع ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات والبذار والمحروقات وتكاليف الحراثة والحصاد والنقل.. وغير ذلك من مستلزمات العملية الإنتاجية.
ودون “طيلة سيرة”، كما يقال، نرى أن فلاحنا وزراعتنا بشكل عام والمحاصيل الاستراتيجية بشكل خاص، بحاجة ماسة اليوم لقروض زراعية بفائدة صفرية، تسدّد على الموسم، ولا ضير لو كان هناك تأمين سنوي على المحصول، إذ من الملاحظ تراجع المقدرة المالية لفلاحينا، ما يُنذر بتراجع العمل الزراعي لعدم جدواه الاقتصادية.
بقي أن نذكّر بما قاله وزير الزراعة الحالي في ملخصه التنفيذي حول إعادة تأهيل قطاع الزراعة، يوم كان مستشاراً، حيث تضمنت الدراسة الخاصة بذلك أهم معوقات القطاع الزراعي في سورية والرؤية المستقبلية لكيفية تطويره، قال: “يعتبر الإنسان ممثلاً بالمزارع والمنتج الزراعي هو البوصلة الأساسية في تحقيق الرؤى والغايات والسياسات المحدّدة للقطاع، ولا يمكن تطوير القطاع إلا بتأهيله وتمكينه من استغلال الفرص الملائمة لتحقيق الكفاءة الاقتصادية من استثماره للموارد المتاحة، ولا بدّ من اتخاذ كل ما يلزم لدعم استقراره في الريف والاستمرار بممارسته لنشاطه”.
والسؤال الآن: هل استطعنا واستطاعت وزارة الزراعة تمكين فلاحنا وزراعتنا من مقومات النهوض بالزراعة، بعد أن كانت سورية حققت الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي على مستوى الوطن العربي والمنطقة؟!.
Qassim1965gmail.com