“ناتو” سيتفكّك بانتهاء دوره في العالم الجديد
تقرير إخباري
ليس لأن المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية الرئيس السابق دونالد ترامب قرّر أن يجعل الولايات المتحدة حليفاً أقلّ موثوقية لأوروبا في حال فوزه بالانتخابات كما ادّعت مجلّة “ذي أتلانتيك”، ولا لأن أزمة أوكرانيا قد شكّلت ضغطاً كبيراً على ميزانية دول حلف الناتو من خلال استنزاف ترسانتها من الأسلحة في هذه الحرب، بل لأن إقحام الولايات المتحدة الأمريكية هذا الحلف في جميع مغامراتها العسكرية الخارجية، جعله يتآكل من الداخل، حيث ركّزت الإدارات الأمريكية المتعاقبة جهدها على استخدامه أداة في خدمة مصالحها الجيوسياسية في العالم دون النظر إلى مصالح الدول الغربية المشاركة فيه، وخاصة الدول الأوروبية التي تشكّل مجتمعةً الخزان الأساسي لهذا الحلف والمقرّ الرسمي لقيادته، وبالتالي كانت أوروبا، الحاضن الرئيس للحلف، هي المتضرّرَ الأكبرَ من الحرب في أوكرانيا التي خطّطت لها واشنطن لإضعاف روسيا وهزيمتها استراتيجياً، وأغرت من تسمّيهم شركاءها الأوروبيين بفرض عقوبات على روسيا أدّت إلى نتائج كارثية على اقتصاداتهم في الوقت الذي جنت فيه الشركات الأمريكية أرباحاً هائلة من هذه الحرب.
فقد توقعت المجلة الأمريكية الشهيرة تفكّك حلف “الناتو” حتى عام 2025 على خلفية أزمة أوكرانيا، والتقارب المرجّح بين الولايات المتحدة وروسيا بعد الانتخابات الأمريكية المقبلة، مؤكّدة “أن المحفّز المباشر لانهيار الحلف سببه نزاع أوكرانيا حيث سيؤدّي إلى انقسام أعضاء الحلف”، وهذا صحيح بالقياس إلى أن هذه الأزمة ستكون بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير، ولكن الحقيقة أن أوكرانيا التي هي الحلقة الأخيرة في عمر هذا الحلف الذي بلغ ذروة تسلّطه في هذه الأزمة، فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافه المعلنة منها، وهي تفكيك روسيا وتدميرها ونهب ثرواتها، الأمر الذي يشير إلى بداية انهياره وتفكّكه بعد أن وضع كل إمكاناته في سلّة هزيمة روسيا التي يبدو إلى الآن أنها ستخرج منتصرة انتصاراً مدوّياً سيجرف معه كل أحلام الحلف بالبقاء والهيمنة التي يستمدّ أسباب قوّته منها.
ومن هنا فإن الأمر ليس كما فالت المجلة من أن مصالح أوروبا في الأمن وأولويات الحزب الجمهوري الأمريكي مختلفة بالكامل، في حال وصول ترامب إلى السلطة، بل لأن الحلف سيفقد هيبته نهائياً بعد هذه الهزيمة المدوّيّة ولن يكون له كلمة في المستقبل في التدخّل في أيّ منطقة من العالم بعد أن بدأت بالتشكل منظومات أمنية وعسكرية واقتصادية ستكون هي الأقدر على حل القضايا الدولية بعد قيام النظام العالمي الجديد الذي تحاول الدوريات الغربية الابتعاد عن الحديث عنه بشتى الوسائل.
ومن هنا يصحّ، حسب المجلة، أن تكون أوروبا والولايات المتحدة تقفان على حافة الانفصال الأكثر خطورة في العلاقات الدولية منذ عقود، ولكن ليس للأسباب التي ذكرتها، بل لأسباب أكثر موضوعية لها علاقة بتغيّر خرائط النفوذ في العالم.
طلال ياسر الزعبي