العرب في بريكس.. خطوة استراتيجية تبادلية
د. معن منيف سليمان
يعدّ انضمام مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمجموعة “البريكس” خطوة إستراتيجية تبادلية ستنعكس إيجاباً على الدول الثلاث وعلى تكتل “البريكس” بفضل الوزن الاقتصادي للدول الثلاث، بالإضافة إلى أن توسيع “البريكس” سيسهم في خلق نظام عالمي أكثر توازناً. وتلتحق كلّ من هذه الدول بدءاً من الأول من كانون الثاني 2024 بمجموعة الدول الناشئة الساعية إلى تعزيز نفوذها في العالم.
كانت الملفات العربية (السعودية والإمارات ومصر) الأقوى والأكثر قبولاً لدى كلّ أعضاء “بريكس”، لما تمثّله من أهمية بالنسبة لمجموعة “البريكس” من ناحية أنها تمثّل ثقلاً سكانياً واقتصادياً داخل “مجتمع الجنوب”.
وتشير تقديرات، إلى أن انضمام السعودية وحدها، بما لديها من أهمية كمركز للعالم الإسلامي بفضل احتضانها للبقاع المقدّسة ومقرّ منظّمة التعاون الإسلامي، وما تملكه من احتياطي ضخم من الثروات المعدنية، وكونها أكبر مصدّر للنفط على مستوى العالم، وأكبر اقتصاد عربي، وثاني أكبر دولة عربية من حيث المساحة، من شأنه أن يرفع حجم اقتصاد التكتل بأكثر من 1.1 تريليون دولار، بعد أن وصلت مساهمة “بريكس” إلى 31.5 بالمئة من الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 بالمئة لمجموعة السبع الصناعية الكبرى.
أما الإمارات فتعدّ من كبار منتجي النفط عالمياً، وتعدّ دبي مركزاً إقليمياً في قطاع العقار والخدمات، وتقوم بتسيير العديد من الموانئ بالعالم خاصّة بأفريقيا.
وأما مصر فإنها تحتلّ موقعاً استراتيجياً، خاصّة امتلاكها قناة السويس التي تقع على طريق التجارة العالمية، وتضم كتلة سكانية تفوق 105 ملايين نسمة، وتحتضن جامعة الدول العربية، واقتصادها يعدّ الثاني بعد نيجيريا من حيث الناتج الداخلي الخام.
ومن هذا المنطلق يرى خبراء أن كلّ الحسابات لقوة “البريكس” ستتغيّر، لأن الدول التي دخلت تمثّل قوّة اقتصادية كبيرة، فالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال تمثّل الاقتصاد رقم 19 على مستوى العالم، وحجم الاقتصاد السعودي تريليون و100 مليار دولار، كما أن الاقتصاد الإماراتي 407 مليارات دولار، ومصر أكبر اقتصاد في أفريقيا، وهو ما يؤكّد زيادة قوة وحجم مجموعة “البريكس”.
إن انضمام السعودية والإمارات يمثّل على وجه الخصوص قوّة “لبريكس”، حيث يمثّلان قوّة النفط في العالم. أما بالنسبة لمصر فهي منتج قويّ على خريطة الغاز الطبيعي العالمي، ولاعب إقليمي بامتياز، وحجم التبادل التجاري مع دول مجموعة بريكس (الدول الخمس) 28 مليار دولار، ومع انضمام الدول الجديدة يزداد حجم التبادل التجاري مع المجموعة بشكل كبير جداً، حيث إن السعودية شريك تجاري مهمّ لمصر، وتصدّر القاهرة للرياض سلعاً بقيمة 3.5 مليارات دولار، كما تصدّر إلى الإمارات بنحو 2 مليار دولار. كما تستورد مصر من السعودية بنحو 8.5 مليارات دولار، وتستورد من الإمارات 2.5 مليار دولار، كما أن حجم التجارة بين مصر ومجموعة “البريكس” مع دخول الدول الجديدة يزداد بنحو 16 مليار دولار، وهو ما يشير إلى وصول حجم التبادل التجاري بين مصر ومجموعة “البريكس” بوضعها الحالي لما يقرب من 46 مليار دولار.
وفضلاً عن ذلك، فإن خطوة الانضمام إلى التكتّل تعزّز آفاق التعاون بين الدول المؤسِّسة والدول الأعضاء الجدد، حيث سيسهل الانضمام إلى التكتّل فرص الاستفادة من التمويل المقدّم من المؤسسات التمويلية الخاصة به مثل “بنك التنمية الجديد” و”البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية”، وهو ما قد يحدّ من سيطرة الدولار وتقليل الاعتماد عليه في التجارة العالمية وكعملة احتياط في الأجل الطويل، ما يدعم تكوين نظام دولي متعدّد الأقطاب، إذ أن توسّع قاعدة “بريكس” وانضمام الدول العربية الثلاث، يأتي في إطار التوازن الاقتصادي والتنوّع، بعد أن ظلّ الاقتصاد العالمي لمدّة طويلة تحت سيطرة مجموعة من الدول التي كانت تتحكّم في المشهد. كما يمثّل انضمام السعودية والإمارات دعماً لدول البريكس في محاولتها لتصبح التكتل الأكثر سيطرة في العالم، خاصة وأن الدول الغنية بالنفط لها تأثير مباشر على الأسواق العالمية، ما يعزّز نفوذ المجموعة في مواجهة الولايات المتحدة ودول الغرب.
وعلى الجانب الآخر تشير الآراء إلى أن انضمام مصر والسعودية والإمارات، ينعكس إيجاباً بدرجة كبيرة على المستوى الوطني للدول الثلاث، وعلى منطقة الشرق الأوسط بالكامل، بالنظر للتوازنات التي تحدثها المجموعة.
ووفق آراء الخبراء، فإن الحدّ من سيطرة القطب الواحد والدولار وتنويع الشراكات، يسهم في الدفع بعمليات التنمية في المنطقة بشكل سريع، ويحقّق التنمية الحقيقية لدول المنطقة. ذلك أن الانضمام إلى التكتّل يعزّز التعاون العربي بين الدول الأعضاء الجدد (مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية)، حيث إنه سيقرّب وجهات النظر بينهم، ولكن الأمر يتوقف على قدرة الدول الثلاث على رفع مستويات الشراكة وعلى قدرتها على تنويع الهياكل الإنتاجية.
ويرى البعض أن هذه الخطوة قد تكون بداية لحلّ الخلافات القائمة بين الدول الست المنضمّة، مثل الخلافات بين السعودية والإمارات وإيران، أو التوترات المرتبطة بسدّ النهضة بين مصر وإثيوبيا. ومن شأنها أيضاً دعم حصول مصر على احتياجاتها من القمح والمحاصيل الزراعية، كما يمكنها تعزيز وصول السعودية والإمارات إلى التكنولوجيا التي وصلت لها الهند التي قد تساعد الدولتين على زيادة إنتاجهما من النفط والغاز. كما أن اعتماد العملات المحلية في المعاملات التجارية قد يساعد هذه الدول على تعزيز حجم التجارة الدولية، فعلى سبيل المثال، من خلال البريكس يمكن لمصر والسعودية والإمارات التعامل بالجنيه والريال والدرهم، بدلاً من الدولار الأمريكي.
ومثّل انضمام مصر كذلك خطوة مهمّة وغير متوقعة بسبب الوضع الاقتصادي والمالي الصعب الذي تمرّ به القاهرة، لكن قرار ضمّها ستكون له نتائج إيجابية على الاقتصاد المصري. ويمكن لمصر أن تعالج الفجوة التمويلية التي تقدّر بنحو 17 مليار دولار، والمتوقعة حتى عام 2026، من خلال العملة الموحّدة التي يسعى الأعضاء لاعتمادها.
ويساعد انضمام مصر إلى البريكس في الترويج للإصلاحات التي شهدتها البيئة المصرية الاقتصادية والاستثمارية في السنوات الأخيرة، بالصورة التي ترفع من فرص مصر لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وفي نهاية المطاف، فإن انضمام دول عربية كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية هي خطوة إستراتيجية تبادلية تنعكس إيجاباً على تكتل “البريكس” بضمّها دولاً عربية ذات ثقل ونفوذ اقتصادي كبير، فضلاً عن استفادة الثلاث دول من موقعها داخل المجموعة، حيث سيفتح هذا الانضمام المجال أمام تنويع الشراكات الاقتصادية مع مختلف دول العالم، وتعزيز التبادل التجاري، وزيادة حجم الاستثمارات وزيادة التبادل السياحي ضمن إطار “البريكس”.