مجلة البعث الأسبوعية

قواسم مشتركة كثيرة.. الحب اضطراب عقلي والعشاق “مرضى نفسيون”!!

البعث الأسبوعية – لينا عدرا

على مدار عقود من الزمن، ظلَّ العلماء في مجالات تتراوح من الأنثروبولوجيا إلى علم الأعصاب يطرحون هذا السؤال المحير فعلاً: “ما هو الحب؟”، حتى أوضح العلم أن ما وراء الحب هو أكثر تعقيداً مما نعتقد.

فقد أكدت دراسة نشرتها مجلة “فرونتيير إن بسايكولوي” الطبية، في عام 2016، أن فحوصات دماغ الأشخاص الواقعين في الحب تظهر تغيرات في الدماغ تشبه بشكل لافت تلك التي تظهرها المشاكل الصحية الخطيرة مثل الإدمان على المخدرات واضطراب الوسواس القهري.

وهذا لا يعني أن الحب سيئ بالنسبة لنا، لأنّ هناك مجموعة متزايدة من الأبحاث توضح كيف أن الحب والعلاقات الدائمة هي عامل محدد مهم للصحة على المدى الطويل، كما أن انهيار الزواج أو العلاقة يمكن أن يؤثر سلباً على صحتنا جميعاً. وبالتالي فإنّ معرفة أن الحب يمكن أن يجعلك – مجنوناً – على الأقل على المدى القصير، تعطينا أدلة حول كيفية تحسين العلاقات وإحياء الحب الرومانسي الذي جمع الزوجين معاً لأول مرة.

 

ما التفسير العلمي لكون جميع المحبين مرضى عقليين؟

هيلين فيشر، عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة روتجرز، في ولاية نيوجيرسي الأمريكية، والتي تقود الكثير من الأبحاث حول تأثير الحب على الدماغ، تقول: “إن نظام الدماغ المرتبط بالحب الرومانسي قوي، وكل ما يحدث في الدماغ خلال الحب الرومانسي له أساس كيميائي”.

فيشر درست الحب من خلال النظر إلى أدمغة الناس باستخدام آلات التصوير بالرنين المغناطيسي، كما أجرت أيضاً دراسة حديثة على 15 شخصاً كانوا واقعين في الحب بشدة.

وخلال تلك الدراسة تمّت دراسة دماغهم من خلال ماسح ضوئي، وعرضت عليهم في البداية صوراً لأشخاص عاديين يعرفونهم، وليس لديهم أي مشاعر تجاههم، وفيما بعد عرضت عليهم صور أشخاص يحبونهم.

ووجدت فيشر من خلال هذه الدراسة أنّ صورة الحبيب عندما عُرضت كانت تحفز نظام الدوبامين في الدماغ، وهو ذات النظام المرتبط بـ “الإدمان”.

ومن ثمّ عُرضت عليهم صوراً لأشخاص كانوا يحبونهم سابقاً ولديهم مشاكل كبيرة تجاههم لدرجة الكره، وقد أظهر المسح الضوئي نشاطاً في مناطق المخ المرتبطة بالمجازفة والسيطرة على الغضب ومشاكل الوسواس القهري.

وأظهرت عمليات المسح نشاطاً في جزء واحد من الدماغ مرتبطًا بالألم الجسدي.

ووفقاً لفريق من العلماء بقيادة هيلين فيشر، فإنه يمكن تقسيم الحب الرومانسي إلى 3 فئات:

الشهوة والانجذاب والتعلق، وتتميز كل فئة بمجموعتها الخاصة من الهرمونات النابعة من الدماغ.

وعلى الرغم من وجود تداخلات وتفاصيل دقيقة لكل نوع، فإن كل نوع يتميز بمجموعته الخاصة من الهرمونات.

هرمون التستوستيرون والاستروجين يدفعان الشهوة.

الدوبامين والنورادرينالين والسيروتونين يخلقون الجاذبية.

والأوكسيتوسين والفازوبريسين يتوسطان الارتباط.

 

قواسم مشتركة ما بين الحب والمرض العقلي

ووفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، فإن العديد من الدراسات التي أجريت في إيطاليا، والتي بحثت في مستويات الدم من مادة السيروتونين الكيميائية في الدماغ، أشارت إلى أن الحب والمرض العقلي لديهما الكثير من القواسم المشتركة.

وقارن العلماء في تلك الدراسات مستويات السيروتونين لدى الأشخاص الذين وقعوا في الحب مؤخراً؛ وبين المرضى الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري، ووجدوا أن المشاركين الذين وقعوا في الحب أظهروا انخفاضاً في مستويات السيروتونين بشكل مماثل لأولئك الذين يعانون من مشاكل الوسواس القهري.

ولا يزال استخدام فحوصات الدماغ لدراسة التغيرات العاطفية علماً جديداً، وقد يكون مفيداً مستقبلاً في تحديد مشاكل العلاقات وأسباب فشلها أيضاً.

كما قد تساعد التغييرات الدراماتيكية الواضحة في فحوصات الدماغ في تفسير السلوك الغريب الذي غالباً ما يرتبط بالحب.

ويمكن أن تساعد أيضاً في تفسير سبب كون المشاكل الزوجية مصدر قلق صحي خطير، لا سيما أن الأشخاص الذين يعيشون في علاقات مضطربة هم أكثر عرضة للمعاناة من القلق والاكتئاب وارتفاع ضغط الدم.

وبالنسبة لمعظم الناس، تتلاشى شدة الحب الرومانسي مع مرور الوقت ويتم استبدالها بمشاعر الارتباط القوية، لكن فهم أنماط دماغ الأشخاص الجدد في الحب يمكن أن يعلمنا كيفية إحياء الرومانسية وتعزيز صحة العلاقات طويلة الأمد.

 

الحب كان مرضاً نفسياً منذ القدم

وعلى مر التاريخ، كان يُنظر إلى الشخص المحب على أنه مريض نفسي قصير العمر، حتى إنّ الفيلسوف أفلاطون قال في يوم من الأيام: “إن الحب مرض عقلي عضال”، ولكن هذه النظرية لم تكن مرغوبة حتى ظهور الطب النفسي العلمي الحديث.

أما في بلاد ما بين النهرين، فقد كان الحب يصنف على أنه من أخطر الأمراض، وأنه مرض من دون علاج، وهو ما ورد ذكره في نص طبي موجود في مكتبة آشور بانيبال الملكية في نينوى.

وفي مطلع عام 1915، تساءل العالم النمساوي الشهير، ومؤسس علم النفس الحديث، سيغموند فرويد: “أليس ما نعنيه بالوقوع في الحب هو نوع من المرض والجنون، ونوع من الوهم والتخيل، وحالة من فقدان البصر عن حقيقة الشخص المحبوب حقاً؟”.

 

منظمة الصحة العالمية تصنف الحب كمرض عقلي

في عام 2011، صنفت منظمة الصحة العالمية الحب على أنه مرض نفسي “يؤدي إلى تغير في العادات والاهتمامات”، ووضعته في مصاف أمراض كالإدمان على الكحول والمخدرات والقمار، وكذلك مرض السرقة، أي السرقة لإرضاء رغبة نفسية دون الحاجة الفعلية للمادة المسروقة.

وعلى الرغم من أنّ الحب بات مرضاً نفسياً بشكل رسمي، إلا أن علاجه بالأدوية لا يزال أمراً غير وارد، بحسب المنظمة.

وأخيراً، وبرغم الريح والجو الماطر والإعصار، فإن “الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار”.