مفيد خنسة: “النّقد الاحتمالي” يطبّق في فنون كثيرة
نجوى صليبه
لا يظهر الأديب والإعلامي مفيد خنسة كثيراً في الإعلام أو حتّى النّدوات والأنشطة الثّقافية، لذلك فهو مكسب لمن يلبّي دعوته، بشرط أن يحسن المضيف ضيافته، وأن يمنحه الوقت للحديث عن تجربته الطّويلة في الأدب والإعلام، وأن يحاوره مثقّف مطّلع على هذه التّجربة.
الأديب خنسة وفي آخر ظهور له بعد غياب طويل عن السّاحة الثّقافية، تحديداً خلال استضافته في “نادي الأدب والثّقافة” في المركز الثّقافي في أبو رمانة قال: “كنت أنتظر من أعضاء النّادي أن يقولوا شيئاً”، مضيفاً: “لكي يترك الإنسان أثراً ذا أهمية في حياته يجب أن يكون وفياً لقضيته، وكلّ ما يشغله عنها يجب أن يتجاهله، سواء أكان منصباً أم فائدة أم مكانة أم مالاً، ولا بدّ من التّضحية، وأصعب ما يمكن أن يعيشه المرء أن يكتشف بعد وقت طويل من حياته أنّه كان مخدوعاً وأنّه كان ضليلاً وجاهلاً، لكن على الإنسان أن يصحو مبكّراً ويتحقق ويتيقّن من أنّ القضية التي كان يعمل عليها هي الأساس”.
ويضيف خنسة: “أمضيت وقتاً طويلاً في الصّحافة، وكنت أفكّر أنّي إذا أصبحت رئيساً للقسم الثّقافي سأحقق إنجازاً، فما بالي إن أصبحت رئيس تحرير أو مديراً عامّاً.. كلّ شيء يغري، لكن أريد أن أقول للشّباب الذين اختاروا طريق الكتابة: كلّ هذا زبد.. السّيارات والمال والبنايات وكلّ ما هو على وجه الأرض زبد، لقد أمضيت وقتاً طويلاً بعد أن تركت عملي وأنا أفكّر وأنزوي وأنكسر، وكنت أنتظر من صديق أن يهاتفني وأنا الذي أعتزّ بصداقاتي في الوطن العربي، انتظرت كاتباً أو زميلاً أو أي أحدّ، ولكن هذا لم يحصل أبداً، فعرفت أنّي أعود إلى الطّريق الصّحيح الذي بدأته منذ طفولتي وهو الكتابة، وكنت أتمنّى قول ما يمكنني قوله وتوجّهت إلى الشّعر، وبدأت القراءة بنهم وتيقّنت أنّي لا أعرف باللغة كثيراً، فأقمت لنفسي دورة في تعلم اللغة العربية وقواعدها، واكتشفت أنّي جاهلٌ ولا أعرف في الفلسفة والمنطق وقلت عليّ العودة والقراءة أيضاً”.
في شهر نيسان الماضي صدر للأديب كتاب بعنوان “النّقد الاحتمالي في الشّعر السّوري المعاصر” عن دار “جهات للنّشر والطّباعة والتّوزيع”، ويتضمّن عشرَ دراساتٍ لعشرة شعراء سوريين معاصرين، وقبله بعام صدر كتابه “النّقد الاحتمالي.. دراسات نقدية” عن دار أوراس للطّباعة والنّشر، وفيه قدّم تعريفاً للنّقد الاحتمالي وتوظيف هذا المنهج في شتّى أنواع العلوم والمعارف، واليوم يشارك بعض الشّباب والأدباء والمهتمّين بداية اكتشافه هذا المنهج وعمله عليه، يقول: “دائماً كان يشغلني سؤال: كيف يمكنني اكتشاف منهج جديد لنقد الشّعر؟ ومناهج النّقد كثيرة كما نعرف، وبدأت أفكّر وأقرأ وأجتهد، ثمّ بدأت الرّبط بين ثلاثة علوم هي الرّياضيات والفلسفة واللغة أو علم الكلام، وكنت أتساءل هل يمكن أن نجد صيغة تمكننا من إقامة شبكة من العلاقات بين هذه العلوم، وهكذا كان منهج النّقد الاحتمالي، واخترت من كلّ بلد عربي شاعراً بعد أن حدّدت مرتكزات المنهج التي تتلخّص في قضايا سريعة، أولاً: التّوازن، وثانياً: المنطق الجمالي، وثالثاً: تقاطع الأزمنة، مبيناً: “يمكن أن يطبّق المنهج في الفنون الجميلة وفي المسرح يكون أسهل، وفي السّينما وفي الفنّ التّشكيلي، لكن كلّ فنّ يحتاج إلى مصطلحات ومفاهيم خاصّة به”.
ويتابع خنسة: “اللغة على اختلاف تعاريفها عند الفلاسفة والعلماء موروثة، وهي موجودة في المعاجم، إذاً هي موضوعة لما أُريد لها أن تعبّر عنه بمعانٍ حقيقية، ويأتي الجمال والفنّ والشّعر ليحرّر هذه المعاني من معانيها الحقيقية إلى المجازية، مثلاً لو قلنا “غصن” هنا المعنى حقيقي، لكن إن قلنا “غصن الكلام” و”غصن الحبّ” فهذا مجازي، والفنّ بهدفه النّهائي يريد تحرير الواقع والتّواطؤ والاتّفاق والوصول إلى ما هو أبعد من ذلك، ويدفعه إلى أقصى ما يمكن أن يكون عن طريق المعاني المجازية، من هنا قلت: يمكن للشّعر أن ينشئ صورةً بيانية بدرجة واحدة من الحرية تكون وحيدة البعد، وأن يستخدم صورة بيانية ثنائية البعد فيها استعارتين وجملة شعرية تتكوّن من ثلاث استعارات إلى آخره”، مضيفاً: “هل يمكننا الاستفادة من الرّياضيات والاحتمال في دراسة الشّعر لأنّنا في الأخير نحن نستخدم جملاً إما خبرية أو إنشائية ليس لها مكان في موضوع المنطق.. إذاً يمكنني أن أعدّ الجملة الخبرية قضيةً أي نجري عليها عمليات المنطق، وظنّي أنّه في فلسفة اليونان في عمومها لو كانوا يعرفون لغة الرّياضيات للتّعبير عن القضايا المنطقية لكانوا استخدموا أدوات الرّبط وربطوا بين القضايا”.
ويبيّن خنسة أنّ منهج النّقد الاحتمالي لا يهدف إلى تصنيف الشّعراء، بل إنّه يهتمّ بإنشاء الأحكام وكيفية إنشائها، يوضّح: “لو قلت: رأيت على الشّجرة عصفوراً، كان يمكن القول: رأيت عصفوراً على الشّجرة، أو: على الشّجرة رأيت عصفوراً، فهل يا ترى إن قلت: رأيت على الشّجرة عصفوراً كما لو أنّي قلت: عصفوراً رأيت على الشّجرة؟، الجرجاني بحث في علم اللغة وقال يمكن أن نولّد ستّ جمل من ثلاث كلمات، وهنا الإعجاز في اللغة”.