ثقافةصحيفة البعث

المُترجمُ الحر والترجمة السمعبصرية

ثمّة اتفاق على أن الترجمة تشهد قفزات نوعية في وسائلها وأنواعها، وإن رغب المترجم في عصر تطور التقنيات في البقاء في الصف الأول بين نخبة المترجمين ينبغي له أن يواكب هذا التطور، فكيف الحال إن كانت هذه الترجمة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتقنية حديثة وتتطلّب كل المهارات للخروج بنص جيد يُقرأ على الشاشة أمام أعين المتلقي؟ من هنا أتت أهمية ندوة الترجمة التي عُقدت مؤخراً في المركز الثقافي العربي في العدوي بمشاركة المترجمتين كاتبة كاتبة، وآلاء أبو زرار اللتين قدّمتا عبر مشاركتهما فكرة تفصيلية عن العمل الحر في عالم الترجمة بشكل عام والترجمة السمعبصرية بشكل خاص.

المترجم الحر

وبيّنت كاتبة كاتبة أن المُترجم الحر يُعدُّ أحدَ الشّخصياتِ الرئيسةِ في صناعةِ التَّرجمةِ، فهو المترجمُ الذي يعملُ مستقلاً، ويقدّمُ خدماته للعملاءِ من خلالِ العملِ عن بُعد دونَ التَّبعيةِ لشركةٍ أو مؤسسةٍ محددةٍ، وهذا ما يجعل حياته تتصف بمزايا، أهمها الحرية والمرونة، حيث يعمل المترجمُ من أيّ مكانٍ يختاره وفي أوقاتٍ يحدّدُها بنفسِه، إلى جانب قبوله المشاريعِ التي تتناسبُ مع اهتماماتِه ومجالاتِ خبرته، وبالمقابل أشارت كاتبة إلى أن تحديات مهنية عديدة تواجه المترجم الحر كالبحثِ عن عملاءَ مستدامين وتحديدِ أسعارِ الخدماتِ الملائمةِ وإدارةِ الوقتِ إدارةً فعالةً لضمانِ تسليمِ المشاريعِ في المواعيدِ المحدّدةِ، وهذا كله يتطلّبُ العملَ بجديّةٍ واجتهادٍ والاستثمارَ في تطويرِ المهاراتِ وزيادةِ الخبرةِ والاستفادة من الشبكاتِ المهنيّةِ والمنصّاتِ الإلكترونيةِ للترجمةِ من أجلِ الترويجِ لنفسه، مع إشارتها أيضاً إلى تحديات أخرى لها علاقة بتفسيرِ النصوصِ والمفاهيمِ تفسيراً صحيحاً ونقلِها بطريقةٍ ملائمةٍ في اللغةِ المستهدفةِ، وهذا برأيها يتطلّب منه مهارات تواصلٍ فعّالة وقدرة على التحليلِ والفهمِ العميقِ للثَّقافةِ واللُّغةِ المصدرِ واللغةِ المستهدفَةِ والاستمرار في تطويرِ المهاراتِ والمعرفةِ المهنيةِ، والاطلاع المستمر على التطوراتِ في مجالِ الترجمةِ واستخدام التكنولوجيا المساعِدةِ المتاحةِ من خلال البحثِ عن منصاتِ عملٍ بوساطةِ الإنترنت والشبكاتِ المهنيّةِ لزيادةِ فرصِ العملِ والتَّرويجِ لخدماتِهم، وقد خلصت كاتبة إلى بعض التوصيات لزيادةِ فرصِ الحصولِ على عمل الترجمةِ على المنصاتِ المذكورةِ من خلال إنشاء ملف تعريفٍ متميّزٍ للمترجم وعرض أعمالٍ سابقةٍ له والانضمام إلى منصاتِ التَّواصلِ الاجتماعيّ وجمعياتِ المترجمين وتحديد أسعارٍ معقولة والحفاظ على التواصل الجيد مع العملاء المحتملين والحاليين وتطوير مهاراته المهنيةِ وتجنَّبِ عملياتِ النّصبِ والاحتيالِ والحذر في التواصل واستخدام وسائلِ الدَّفعِ الموثوقةِ باستخدامِ منصاتِ الدَّفعِ الإلكترونيّ المعروفةِ وبناء شبكةِ علاقاتٍ احترافيةٍ من خلال المشاركة في مؤتمراتٍ وندواتٍ ومنتدياتٍ ومجتمعاتٍ بوساطةِ الإنترنت التي تجمعُ مترجمين من أنحاءِ العالم، وأشارت كاتبة في نهاية مشاركتها إلى أهم برامجِ الترجمةِ على الشاشةِ التي يمكن أن يستعين بها المترجم.

الترجمة السمعبصرية

وعرّفت آلاء أبو زرار في مشاركتها الترجمة السمعبصرية فأوضحت أنها عملية إدخال ترجمة للكلام الموجود داخل مقطع فيديو وإدراج هذه الترجمة في أسفل الشاشة، مبينةً أن المترجم يواجه عدداً من الصعوبات والعقبات أثناء الترجمة على الشاشة، وذكرت ما يتعلق منها بعملية تفريغ محتوى النص الأجنبي الذي لا يكون مكتوباً عادة، فينبغي على المترجم أن يستمع لما يقال في الفيديو، وعندما يجد نفسه أمام لهجات مختلفة قد لا يقوى على الإلمام بها يلجأ لنقل المعنى بشكل عام والابتعاد عن الحرفية، ورأت أبو زرار أنّ من الأخطاء التي قد يقع بها المترجم على الشاشة هي اعتماده كلياً على النص المفرغ على ملف وورد مثلاً وعدم العودة إلى الفيديو للاطلاع عليه، وهذا برأيها يؤدي إلى عدم إدراكه المعنى المراد في بعض الجمل وهو معنى لا يمكن استيعابه في حال لم يسمع المترجم النبرة أثناء الكلام، لذا ينبغي للمترجم أن يشاهد مقطع الفيديو كاملاً وأن يستوعب السياق الذي جرت فيه الأحداث، وأن يتعرّف إلى الشخصيات والأماكن والأسماء كما هي دون أخطاء، إضافة إلى اختصار ما أمكن من الجمل الطويلة ليصل إلى جمل واضحة ومفهومة، وهذا لا يتنافى برأيها مع عمل المترجم وأمانته لأنها حلّ ناجع للوصول إلى جمل ملائمة لهذا النوع من الترجمة، موضحة أن المعايير التي يتبعها المترجم على الشاشة في انتقائه الفيديوهات تختلف من مترجم إلى آخر، فبعض المترجمين يتساهلون في اختياراتهم، في حين أن بعضهم يكونون انتقائيين ولا يقبلون كلّ ما يُعرض عليهم من فيديوهات، مع حرصهم على ألا يمسّ المحتوى أي جانب أخلاقي وألا يسبب نعرات طائفية أو يتناول قضية سياسية تتعارض مع توجهاتهم الشخصية، وبهذا المعنى أكدت أبو زرار في أن المترجم على الشاشة قد يتخلّى في بعض الأحيان عن أن يكون مجرد أداة تنقل فحوى النص من لغة إلى أخرى، كما يتخلى عن المقولة التي تقول إن المترجم يجب أن يتخلى عن مشاعره ومعتقداته الخاصة به، وأن ينقل ما يقع بين يديه دون أن يلمس المتلقي أية بصمة تخصّه، ولم تخفِ أبو زرار على صعيد الفرص المتاحة للمترجم السوري على وجه الخصوص أنه يعمل في ظلّ ظروف صعبة من انقطاع للتيار الكهربائي وضعف في شبكة الانترنت، إلى جانب عدم قدرته على التواصل كفرد مع شركات الترجمة الموجود أغلبها في الخارج والتي تتطلّب وجوده في بلادهم، وإن كان المترجم محظوظاً وعمل مع أحدها يجد نفسه أمام صعوبة تحويل أجره إلى بلده كاملاً دون الاقتطاع منه من قبل شركات التحويل. ومن هنا وجدت أن المترجم السوري يتعرّض لظروف مهنية بالغة الصعوبة دون وجود هيئة للمترجمين تضمن حقوقه وتنظم ساعات عمله.

أمينة عباس