مجلة البعث الأسبوعية

المعامل تستغل طلاب المدارس.. عمالة بأدنى الأجور!.. “الشؤون الاجتماعية والعمل”.. التشدد ضمن إطار منظومة تفتيش العمل!

البعث الأسبوعية – ميس بركات

ككل عام في هذا الشهر تلاحق ألسنة لهب الأسعار جيوب المواطنين لتحرق ما ندر فيها من أوراق نقدية لا تعادل قطرات العرق التي تكبّدوها على مدار الشهر لتوفير لقمة عيش “غير مُشبِعة” في أغلب الأحيان مع بذل المُستطاع لتأمين حاجيات المدارس التي هي الأخرى لم ترحم “المعترّين” من سعير أسعارها، لاسيّما وأن تأمين قرطاسية لطالب واحد يحتاج لقرض، الأمر الذي دفع بالكثير من العائلات لإبعاد أبنائهم عن السلك التعليمي وزجهم مبكراً في سوق العمل الذي لا يتناسب مع أعمارهم!.

أجور منخفضة

فمع غلاء المعيشة شهدت المعامل الخاصة والورش الصغيرة والكبيرة ازدياداً ملحوظاً في أعداد العاملين من الفئة العمرية الصغيرة إناثاً كانوا أم شباب، بقصد المساعدة في مصروف المنزل من جهة وتأمين مستلزمات العام الدراسي من جهة أخرى، الأمر الذي أكده مدير إداري في أحد معامل عدرا الخاصة، لافتاً إلى ازدياد نسبة اليد العاملة في هذه المعامل أكثر من 30% خلال الشهرين الماضيين، وأن أعمار هذه الأيدي لم تتجاوز الـ17 عام، وبرّر المدير الإداري ازدياد هذه النسبة بتردي الوضع المعيشي والحاجة الماسة لعمل الصغار والكبار في الأسرة الواحدة، إذ بات تأمين المصروف اليومي يشكل عبء ثقيل على كاهل الوالدين مما اضطر الأبناء للخروج إلى ميادين العمل المهني مبكراً.

غياب لغة الأرقام

ومع بدء العام الدراسي لم نشهد انخفاض عمالة الأطفال بل على العكس ارتبط ازدياد التسرب المدرسي بازدياد هذه العمالة في مختلف القطاعات المهنية بسبب الظروف الاقتصادية الهشة، ولاعتبارات تتعلق باكتساب مهارات ومهن تشكل مصادر دخل للأطفال وذويهم، بيد أن نسبة هذه العمالة المُلاحظة خلال حياتنا اليومية تُظهر معدلات ذات خطورة عالية في إخضاع الأطفال لأعمال تفوق قواهم الجسدية والنفسية، ما ينعكس على نموهم البدني والعقلي على حد سواء، خاصّة وأنّ هذه الأيدي يجب أن تكون خلف مقاعد الدراسة لا خلف الآلات أو تحت عجلات السيارات لتصليحها، وعلى الرغم من محاولتنا الوصول لأرقام وإحصائيات من مديريات التربية حول نسبة التسرب المدرسي إلّا أن الرؤية لا زالت ضبابية بالنسبة لهذا الموضوع كون العام الدراسي في بدايته مع التأكيد على الجهود الحثيثة لمتابعة ومنع التسرب المدرسي قدر المستطاع.

جهود الشؤون الاجتماعية

وفي رد على الأقاويل التي تتحدث عن وجود العمالة من اليافعين في معامل القطاع العام نفى جمال الحجلي أمين سر الاتحاد العام لنقابات العمال وجود هذه الفئة في القطاع العام لاسيّما مع وجود أسس وضوابط للعمل في هذا القطاع، لافتاً إلى وجودها في القطاع الخاص لكنها محددة بقانون يحدد العمر وطبيعة العمل التي تقوم بها هذه الفئة.

في المقابل تحدث محمد فراس نبهان معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل لـ “البعث” عن الآثار السلبية التي فرضتها التدابير الاقتصادية القسرية أحادية الجانب على الوضع المعيشي للأسر، وبالتالي اضطرار بعض هذه الأسر لإرسال أطفالها للعمل بسن مخالف للقانون، وعليه فإن مواجهة هذه الظاهرة يقوم بالقضاء على جذورها الاقتصادية والاجتماعية، لافتاً إلى حظر قانون العمل تشغيل الأطفال وعليه فإن أي تشغيل للأطفال يعتبر مخالفاً لأحكام القانون رقم /17/ لعام 2010 ، وتعمل الوزارة على محورين رئيسيين لمواجهة هذه الظاهرة وهما محور التوعية  من خلال تنظيم العديد من البرامج التوعوية المرتبطة بأهمية تلقي الأطفال للتعليم، وأن يكون مناخهم طبيعياً ، وقد صدر قانون حقوق الطفل رقم / 21 / لعام 2021  الذي جاء متوافقاً مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الطفل ونمائه ، ويتم نشر التوعية بهذا الخصوص بالشراكة مع المنظمات غير الحكومية كونها الأقرب للوصول إلى المجتمعات المحلية، أما المحور الثاني فهو محور الحد من انتشار هذه الظاهرة وذلك من خلال تعزيز الجولات التفتيشية بالشراكة مع ممثلي العمال.

حظر القانون

وحول شروط عمل الأطفال التي وضعتها وزارة الشؤون الاجتماعية و العمل أشار نبهان إلى أن قانون العمل رقم (17) لعام 2010 وتعديلاته أفرد باباً خاصاً لتشغيل الأحداث من الذكور و الإناث ممن أتموا سن الخامسة عشرة من العمر أو أنهوا مرحلة التعليم الأساسي، وقد حظر قانون العمل رقم (17) لعام 2010 وتعديلاته تشغيل الأحداث أكثر من ست ساعات يومياً ، على أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام  والراحة  لا تقل في مجموعها عن ساعة كاملة، كما حظر القانون تكليف الحدث بساعات عمل إضافية أو إبقاؤه في محل العمل بعد المواعيد المقررة، أو تشغيله في أيام الراحة وفي العمل الليلي، وقد اشترط القانون على صاحب العمل قبل تشغيل الحدث تقديم ولي الحدث أو الوصي عليه المستندات التالية :  إخراج قيد مدني – شهادة صحية صادرة عن طبيب مختص تثبت قدرة الحدث الصحية على العمل الموكول إليه – موافقة ولي الحدث أو الوصي عليه على عمله في المنشأة و ألزم  صاحب العمل حفظ هذه المستندات في ملف خاص بالحدث و نص القانون على استحقاق الحدث إجازة سنوية مأجورة مدتها 30 يوماُ، ونوّه معاون الوزير إلى القرار الوزاري رقم (12) لعام 2010 بخصوص عمل الأطفال الذي حدد الأعمال التي لا يجوز تشغيل الأحداث فيها كالأعمال التي تؤدى تحت الأرض والعمل في المناجم والمحاجر  والكسارات وفي محطات تعبئة الوقود، إضافة إلى العمل في الغابات وقطع الأشجار وأعمال الغطس، وكذلك حدد الصناعات التي لا يجوز تشغيل الأحداث بها حيث حظرت المادة (5) من نظام تشغيل الأحداث تشغيل الأحداث ذكوراً و إناثاً في صناعة المفرقعات و المواد المتفجرة و الأعمال المتعلقة بها، وصناعة الاسمنت والإسفلت والصناعة الكيماوية وصناعة المشروبات الكحولية والغراء والدباغة، وكذلك حدد الأعمال التي يجوز تشغيل الأحدث بها حيث أجاز قانون العمل السوري تشغيل الأحداث في المهن و الحرف اليدوية  التي لا تؤثر على نموهم الجسدي أو النفسي أو العاطفي، كما أجاز تشغيل الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة من العمر في المؤسسات التجارية والمؤسسات الإدارية ” الأعمال المكتبية ” والأندية الرياضية وبيع وتنسيق الزهور .

تفتيش مستمر

وفيما يتعلق بتعامل الوزارة مع ملف عمالة الأطفال وجد معاون الوزير أنه بالنسبة لأسوأ أشكال عمل الأطفال، تعمل الوزارة على مواجهة هذه الظاهرة وفق محورين رئيسيين الأول التشدد ضمن إطار منظومة تفتيش العمل على تطبيق أحكام قانون العمل رقم /17/ للعام 2010 والقرار الناظم لتشغيل الأحداث والمحور الثاني مواجهة أسباب هذه الظاهرة والتي لها جذور اقتصادية واجتماعية تتصل بشكل رئيسي بظروف سبل عيش بعض الأسر وضعف الوعي لدى البعض الأخر ممن يرسل أبناءه للعمل دون سن الخامسة عشرة وخارج إطار المهن والاشتراطات التي تضمنها القرار الناظم لتشغيل الأطفال، و أفرد قانون العمل رقم /17/ للعام 2010 أحكاماً خاصة حول تشغيل الأحداث وجاءت هذه الأحكام متوافقة تماماً مع أحكام اتفاقية العمل الدولية رقم /138/ للعام 1973 بشأن الحد الأدنى لسن استخدام الأطفال، واتفاقية العمل الدولية رقم 182 للعام 1999 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها كما وصدر القرار رقم /12/ للعام 2010 الناظم لتشغيل الأحداث ويتم الرقابة على تنفيذه من خلاله منظومة تفتيش العمل عبر مديريات الشؤون الاجتماعية بكافة المحافظاتـ، كما أوجب القانون على مفتشي العمل بذل عناية خاصة بالتحقيق في الشكاوى المتعلقة بعمل الأحداث التي يتقدم بها الأحداث أنفسهم أو أولياؤهم أو الأوصياء عليهم، وعليهم أيضاً اتخاذ إجراءات معالجة هذه الشكاوى بشكل عاجل، كما منع القانون تشغيل الأحداث بأعمال مرهقة لا تتناسب مع أعمارهم ألزم القانون أصحاب العمل من التحقق من عمر الحدث قبل تشغيله ،ومن التأكد من موافقة ذويه الخطية على تشغيله، ورتب القانون مسؤولية جزائية على صاحب العمل الذي يشغل حدثاً خلافاً لما نصت عليه أحكام القانون، وقد أفرد القانون عقوبة تتمثل بالغرامة المالية التي تتراوح بين 2000- 7000ل.س، وتضاعف العقوبة عند تكرار المخالفة، وقد قامت الوزارة مؤخراً بداية عام 2023 بالتعميم على دوائر التفتيش لدى مديرياتنا والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين بضرورة التقيد بأحكام القانون رقم (21) لعام 2021 وأحكام قانون العمل رقم (17) لعام 2010 وتعديلاته ولا سيما عمل الأحداث واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق أصحاب العمل المخالفين الذين يقومون بتشغيل أحداث لم يتموا سن الخامسة عشرة من عمرهم.

بانتظار الحل

لا شك أن القانون السوري أفرد الكثير من البنود المتعلقة والضابطة والناظمة لتشغيل الأحداث، إلّا أنّ تسرّب التلاميذ من مدارسهم بأعداد مخيفة تُخفي وراءها مستقبل مجهول لجيل كامل حُرم من التعليم وامتهن مهناً خطرة مخافة جوعهم وجوع أهاليهم، الأمر الذي يتطلب جهوداً جبّارة وقوانين أكثر صرامة تضمن حق الأطفال في التعلم والالتزام بمدارسهم بدلاً من احتضان المعامل والورش لهم بأجور زهيدة ومجهود كبير.