جنة الأطفال مدارسهم.. لا أقبية الورش التي تعرضهم للأذى الجسدي والنفسي!
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
تشغيل الأطفال تحت سن الـ 17 عاماً ظاهرة خطيرة تنتشر في كل دول العالم، بنسب مختلفة أكثرها في البلدان النامية والفقيرة، وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة “تحتل أفريقيا المرتبة الأولى بأعمال الأطفال، حيث يصل عددهم إلى 72 مليون طفل. وتحتل منطقة آسيا والمحيط الهادئ المرتبة الثانية حيث يصل العدد إلى 62 مليون طفل، وفي الأمريكيتين يوجد (11 مليون)، وأوروبا وآسيا الوسطى (6 ملايين) وفي الدول العربية بحدود المليونين.
هذه الأرقام المرعبة تؤكد وجود جريمة ترتكب بحق الأطفال، فعملهم أياً كان يحرمهم من طفولتهم البريئة، ويقف حجر عثرة أمام ذهابهم إلى المدرسة، والأخطر أنه يُلحق بهم ضرراً عقليًا و جسديًا و اجتماعيًا و معنويًا قد يصعب الشفاء منه مستقبلاً مما يجعلهم أفراد غير فاعلين في مجتمعهم، بل عالة عليه!.
مجبر لا بطل!
في واقعنا السوري أجبرت الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة الأسرة السورية على تشغيل أبنائها الصغار منهم والكبار، في ورش عمل ومعامل ومصانع خاصة لا تتوفر فيها الشروط المناسبة للعمل، وخاصة للأطفال، حيث يتم استغلالهم أبشع استغلال من قبل أرباب العمل بالأجر الرخيص الذي لا يتناسب مع ساعات العمل الطويلة!، لكن للواقع الصعب أحكام، فمجبر ذاك الطفل الفقير أن يعمل “من تم ساكت” فحالة أهله بالويل وعليه أن يتحمل ويعمل ليس من أجل أن يشتري دراجة هوائية يحلم بها، أو يأكل الحلوى التي يحبها، واللباس الجديد الذي يتمناه!، وإنما ليساعد أهله بالمصروف في معركة لقمة العيش وسط حالة غير مسبوقة للغلاء الفاحش للأسعار!.
وبحسب الإحصاءات كانت نسبة عمالة الأطفال في سورية قبل 2010 لا تزيد عن الـ10% ، لكنها اليوم وبعد 12 عاماً من الحرب التي دمرت اقتصاد البلد تجاوزت هذا الرقم بكثير، وهناك من يقدرها بـحدود الـ 30%، وأغلب هؤلاء “الأطفال العمال” نجدهم في الورش الصناعية الخاصة بتصليح السيارات على أطراف المدن، وفي معامل المنتجات الغذائية، والمنظفات، وفي الشوارع يمسحون زجاج السيارات، أو يبيعون العلكة والبسكويت المغلف لصالح مشغلين لهم، حيث يعطونهم أجراً لا يتجاوز الـ 5000 ليرة باليوم خلال أكثر من 12 ساعة بحسب ما ذكر العديد من الأطفال!، عدا عن المتسولين في الأماكن العامة، وبعضهم قبل طلوع الشمس ينتشرون يجمعون البلاستيك والورق من حاويات القمامة وكلهم يعملون في ظروف قاسية جداً تعرض أجسادهم الغضة للأذى وقلوبهم الطيبة للقهر!.
حل المشكلة
لا شك في أن الحديث عن عمالة الأطفال يطول بما فيه من هموم وشجون، ولكن كيف الحل؟، للأمانة لدينا في سورية قوانين جيدة لحماية حقوق الأطفال، فهناك القانون رقم / 21 / الذي صدر عام 2021 ومن يقرأ بنوده يجده منسجماً ومتوافقاً مع الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بحقوق الطفل، وهناك قانون العمل رقم 17 لعام 2010 الذي يُحظّر تشغيل الأحداث أكثر من ست ساعات يومياً، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل دائماً تُذكّر بالقانونين، إضافة إلى أنها وقّعت أكثر من مذكرة تفاهم مع منظمات دولية تلتزم فيها بالعمل على الحد من ظاهرة عمل الأطفال، لكن السؤال: هل يتم تنفيذ أو تطبيق بنود هذه القوانين والاتفاقيات؟!.
إن مجرد جولة قصيرة على منطقة حوش بلاس الصناعية جنوب دمشق، أو زيارة مكّب باب شرقي على سبيل المثال لا الحصر، ستكتشف حقيقة الأمر ومرارة الواقع الصعب الذي يعيشه الأطفال تحت سن الـ 17 عاماً!.
ما يعني أن الوزارة المعنية قد تستطيع مراقبة بعض الورش والمنشآت وتجعل أصحابها يلتزمون بشروط العمل لجهة الأجور وساعات العمل، لكن ماذا عن تلك الورش في زواريب الأحياء الشعبية (وما أكثرها) التي يعمل فيها الآلاف من الأطفال في ظروف قاسية دون حسيب أو رقيب، وإن كانت الوزارة تراهن على التوعية عبر وسائل الإعلام، فإن نجاحها بذلك يبقى محدوداً جداً قياساً بعدد الأطفال الذين يعملون، خاصة وأن الأسر بات لديها قناعة أن العمل وكسب المال في ظل المعاناة اليومية مع لقمة العيش بات أفضل من الدراسة في المدارس والجامعات، لذلك إعادة إقناعهم بجدوى التعليم يحتاج لشغل كبير لا تقدر عليه وزارة الشؤون الاجتماعية لوحدها!.
جنة الأحلام
بالمختصر، ظاهرة عمالة الأطفال في تزايد مستمر طالما حلولها مبتورة، فهي غير مبنية على خطط وبرامج عمل على المدى البعيد بالتعاون بين وزارة الشؤون الاجتماعية والمنظمات والجمعيات غير الرسمية.
إن أول ما نحتاجه هو التشدد في تنفيذ القوانين ضد كل من يخالفها، من خلال فرض عقوبات وغرامات رادعة على من لا يلتزم، وثانياً العمل على تحسين المستوى المعيشي للأسر الفقيرة التي تضطر لإجبار أطفالها على ترك المدارس والعمل، مما يؤثر سلباً عليهم ويحرمهم من أبسط حقوقهم وهو التعليم، لذا هنا من المفروض أن تعمل وزارة التربية بالتشاركية مع المنظمات والجمعيات المدنية على توفير الفرص التعليمية البديلة للأطفال المتسربين، وأن تتخذ إجراءات مشددة للحد من تسرب الأطفال من المدارس، فمكان الأطفال هو جنة الأحلام المتمثلة في المدارس لا في ردهات المصانع وورش العمل الصعبة!.