صحيفة البعثمحليات

التسرب المدرسي يدفع بالأطفال إلى سوق العمل.. والظروف المعيشية الصعبة تصطاد أحلامهم

دمشق- رحاب رجب

أجبرت الظروف المعيشية الصعبة والقاسية عدداً كبيراً من الأهالي على دفع أولادهم في فترة معينة للعمل، بقصد مساعدتهم لتغطية احتياجاتهم ومصاريفهم المدرسية، مما اضطر الكثير من الأطفال للعمل ساعات طويلة بمهن شاقة ومتعبة جسدياً.

(شو جبرك على المرّ غير الأمرّ منه)، بهذه العبارة وبكلمات مقتضبة عن الوضع الذي قاده للعمل في هذه السن التي من المفترض أن يكمل فيها دراسته على غرار زملائه، يصف أحمد ابن الـ١٢ عاماً معاناته بعد وفاة والده، وخاصة معيشياً، الأمر الذي دفعه للعمل وبيع أوراق اليانصيب في الشوارع لتغطية نفقات دراسته، حيث يتعرّض في بعض الأيام للتنمر والشتائم بسبب إلحاحه المستمر على المارة لإقناعهم بشراء اليانصيب كونها مصدر رزقه.

وحال أحمد ليست بأفضل من حال هبة ذات الـ١٤ عاماً، إذ لم يكن أمامها خيار سوى البحث عن عمل، بينما كانت والدتها تكافح من أجل توفير الطعام والرسوم الدراسية لها ولإخوتها ومن أجل كسب المال، وأكدت هبة أنها تغسل الملابس وأحياناً تعمل في تنظيف المنازل، وتضيف: عندما كنتُ في المدرسة كنت أحلم بأن أصبح معلمة، أما الآن فقد توقفت عن الحلم.

التسرب المدرسي

سمر السباعي رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، أكدت أن التسرب من المدارس أدى إلى انتشار ظاهرة عمالة الأطفال بشكل كبير، ولفتت إلى أن معظم هؤلاء يعملون في مهن خطرة كتصليح السيارات، والميكانيك والحدادة والخراطة، وتتجلّى أضرار هذه المهن بأنها تحتاج لبذل جهد جسدي واستخدام أدوات حادة وأجهزة خطرة والتعامل مع سوائل سامة، وخاصة دهانات السيارات.

وبيّنت السباعي أن الإحصائيات تشير إلى أن ٢٨،٤% من الأطفال يعملون في مجال الصناعة و٣٨ بالمئة في مجال الخدمات و٢٠% في مجال التجارة، ولفتت إلى أن قانون حقوق الطفل (رقم ٢١ لعام ٢٠٢١) منع في الفصل السادس منه تشغيل الطفل الذي لم يُتمّ الخامسة عشرة، ومنع استغلاله اقتصادياً أو في أداء أي عمل يرجح أن يكون خطراً أو يمثل عائقاً لتعليم الطفل أو يضرّ بصحته.

ورغم المخاطر التي تشملها عمالة الأطفال إلا أن المستشار الأسري محمد الخطيب ارتأى جانباً إيجابياً يمكن التعاطي معه بشروط محدّدة، حيث إن العمل يصقل شخصية الطفل ويعلمه تحمّل المسؤولية ويمنحه خبرة حياتية وصنعة مستقبلية، واشترط أن يكون العمل مراعياً لعمر الطفل ومن دون إجبار ولا يسبّب الاجهاد أو الضغط النفسي، بل يجد فيه الطفل متعة ما.

وأشار الخطيب إلى اختلاف الآثار من طفل لآخر تبعاً لاختلاف نوعية العمل وظروفه والظروف الأسرية للطفل، فبعض الأطفال يشعرون برضا لما يقدّمونه من دعم لأسرتهم، وعلى الرغم من ذلك يعيشون في صراع نفسي بين رغبتهم أن يكونوا مع أصدقاء من عمرهم نفسه يشاركونهم اللعب، وبين إحساسهم بالمسؤولية الاقتصادية والاجتماعية تجاه أسرهم، ولكن الغالبية العظمى من الأطفال يعانون أمراضاً نفسية مثل الخوف والاكتئاب بسبب تعرّضهم للتنمر والاستغلال والجهد الشاق.