تحقيقاتصحيفة البعث

تراجع إنتاج الخضار والفواكه لهذا العام هو السبب الأكبر لارتفاع أسعارها

ينبئ المشهد العام بتفوق أسعار الخضار والفواكه على أسعار اللحوم في المستقبل القريب، وانتقالنا السريع المخطط والممُنهج من قبل خبراء الزراعة العشوائيين من مرحلة تصدير الخضار إلى استيرادها، لاسيّما بعد ارتفاع أسعار الأخيرة ما يفوق الـ 200% خلال أسابيع قليلة، لنصل اليوم إلى موائد مزّينة “بكمشات” قليلة من الخضار وكثير من الأرغفة لسد الجوع.

إذ لم يعد الحديث عن أسعار اللحوم البيضاء والحمراء يشغل بال المواطنين ممن بات الشغل الشاغل لهم البحث عن “طبخة يومية” بتكلفة قليلة تُسجّل في أغلب الأحيان على دفتر الدين في البقالية، لاسيّما بعد أن تجاوز سعر الكيلو لأقل صنف من الخضار الخمسة عشر ألف ليرة، لتتخطى تكلفة وجبة الغذاء ربع الأجر المقطوع، وبالتالي يكتفي الراتب بسداد بعض الاحتياجات والمواد التموينية ويخرج بجدارة من دوره الأساسي في تأمين وجبات الطعام للأسرة.

تراجع الإنتاج المحلي 

وبين التبدّل المناخي وارتفاع أجور النقل وضعف القدرة الشرائية، يدفع المستهلك رفاهية شرائه الخضار من جيبه، إذ لا زالت التصريحات والتحليلات بين المعنيين في وزارة الزراعة وبين الخبراء الزراعيين متضاربة في الوصول إلى الثغرة الحقيقية التي أودت بزراعتنا المحلية إلى ما هي عليه اليوم، ليجد أسامة زيد المسؤول الإعلامي في سوق الهال في تراجع الإنتاج الزراعي هذا العام بنسبة تجاوزت الـ 60% السبب الأكبر في ارتفاع الأسعار، فمع قلة الإنتاج الزراعي ترتفع الأسعار وبالتالي ينخفض الطلب المحلي في حين بقي الطلب الخارجي على الخضار على ما هو عليه، لافتاً إلى أن التكلفة على المزارع من أسمدة وبذار وأدوية وأجور نقل دفعته لتخفيض المساحات المزروعة لديه، فبدلاً من زراعة 100 دونم يضطر الفلاح لزراعة 30 دونم، كي يضمن الاستمرارية في حال تعرضّ إنتاجه لتبدّلات مناخية مفاجئة وتجنباً لخسارات فادحة حينها، لاسيّما وأن التعويض الذي يأتي في حال تعرض لمثل هذه الظروف لا يسد فجوات الخسارة.

ونوّه زيد إلى أن الأسعار تزداد في الشهرين العاشر والحادي عشر نتيجة اعتماد جميع المحافظات في أغلب احتياجاتها من الخضار على محافظة دمشق، بالتالي فإن الأسعار ترتفع ثلاثة أضعاف ما كانت عليه العام الماضي، إلّا أن هذه الزيادة لا تذهب لصالح الفلاح بل على العكس لا يحظى منها إلا بالقلّة القليلة.

ونفى المسؤول الإعلامي أن يكون للتصدير تأثير على أسعار الخضر والفواكه محلياً باعتبار أن المواد المعدة للتصدير تختلف عن المواد المعدة للاستهلاك المحلي، كما أن تصدير الخضار هو الدافع الأساسي لاستمرارية الفلاح بالزراعة، خاصّة وأن نفقات الإنتاج الزراعي تزداد عاماً تلو الآخر بدءاً من سعر الفلينة الفارغة الذي وصل إلى 11 ألف ليرة وليس انتهاء بأجور النقل التي ارتفعت الشهر الماضي أكثر من 100 %.

وعن أهم الدول المستوردة للخضار تحدث المسؤول الإعلامي عن عودة نشاط الأسواق العراقية هذه الفترة باستيراد الخضار المحلية السورية بعد أن كانت تستورد الكميات الأكبر من إيران كون أسعارها أقل من الزراعات السورية، إضافة إلى استمرار حركة الصادرات خلال إلى دول الخليج بشكل جيد، كما نفى زيد انخفاض أسعار الخضار والفواكه في الفترة القادمة إذ لا مبرر لانخفاض سعرها وسط ثبات أسباب ضعف الإنتاج، وفي حال انخفضت الأسعار سيكون نتيجة تراجع بالأسواق الخارجية وبالتالي لن يستغرق أكثر من يومين.

سياسة تسعير خاطئة 

في المقابل جزم الخبير التنموي أكرم عفيف أن السبب الأول في ارتفاع أسعار الخضار يعود لارتفاع سعر المحروقات، لافتاً إلى توقّف الشحن بين المحافظات أكثر من عشرة أيام نتيجة ارتفاع سعر المحروقات، إذ يؤثر ارتفاع سعر المحروقات على جميع تكاليف الإنتاج الزراعي، فالفلاح يحتاج كل يوم إلى ما يقارب الـ 300 ألف ليرة ثمناً للمحروقات لتشغيل المضخة الزراعية التي تحتاج 20 لتر مازوت في اليوم، ناهيك عن ارتفاع أجور النقل بين المحافظات، وهذا يؤدي مع الزمن إلى الإقلاع عن الزراعة وبالتالي قلة المعروض من الخضار والفواكه وارتفاع سعره أضعافا مضاعفة لنصل في نهاية المطاف إلى الاعتماد على المستوردات بدلاً من الإنتاج وقتل المنتجين لمصلحة المستوردين، وتطرق عفيف في مثال عن سبب ارتفاع سعر الثوم وتجاوز الكيلو منه الثلاثين ألف ليرة نتيجة قيام الجهات المعنية ببيعه في موسمه بـ 250 ليرة في السوق المحلية في حين كانت تكلفته على الفلاح أكثر من ألف ليرة، بالتالي قام الفلاحون بفلاحة أكثر من 70% من الموسم بأرضه، لتقوم الحكومة بعد ذلك برفع سعره، أي أن التصدير لم يكن سبباً في حرمان المواطن منه كما يُشاع.

وطالب عفيف بإعطاء الفلاح أسعار تشجيعية كي يغرق السوق المحلية والتصديرية بإنتاجه، فسياسية التسعير بالنسبة للمحاصيل التي لها علاقة بها الدولة خاطئة، لاسيّما حيّن سعرّت كيلو الحنطة بـ 2800 في حين تكلفتها وصلت إلى3500، كذلك الأمر لتسعيرتها للشوندر بـ 400 في حين تكلفته 600، منوّهاً إلى أن ما يحصل اليوم لا يخرج من دائرة التدمير الممنهج والمتعمد لقطاع الإنتاج الزراعي.

ميس بركات