“زريف الطول”… مغامرة سردية بين الأسطورة والواقع
قرر الكاتب الفلسطيني وليد عبد الرحيم في روايته الجديدة الصادرة عن دار دلمون الجديدة الإجابة على سؤال “من هو ظريف الطول؟” الذي يشكل لازمة غنائية رددها الكثيرون عن شخصية فلسطينية حملت هذا اللقب دون أن يُعرف لها شكل أو مكان أو تاريخ ميلاد، مبيناً في الرواية إلى أن اللفظ الصحيح هو زريف الطول -من الزرافة- وليس ظريف الطول كما يعتقد بعضهم، وهي شخصية فدائي فلسطينية لم يصرح أحد بأنه يعرفها وعلى الرغم من ذلك صارت جزءاً من الذاكرة الجماعية الفلسطينية.
البطل الشعبي
وفي الندوة التي عُقدت قبل توقيع رواية “زريف الطول”، في مقر الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، بإدارة الإعلامي ملهم الصالح ومشاركة د. حسن حميد، د.ثائر عودة، د. آداب عبد الهادي والناقد أحمد علي هلال، أشار حميد إلى أن الكاتب يخوض تجربة كتابة الرواية للمرة الثانية من خلال روايته “زريف الطول” وقد سبقتها روايته الأولى “لست حيواناً” التي وقف فيها عند حال الفدائي الفلسطيني الذي غيّر الأمكنة من أجل أن يستأنس أكثر بيقينية المقاومة سبيلاً وحيداً لإرغام المحتل الإسرائيلي على الرحيل، في حين تناول في روايته “زريف الطول” التاريخ الفلسطيني المرّ الذي بدأ مع الإعلان عن وعد بلفور وانتهى مع عام 1948 عام النكبة وذلك من خلال شخصية زريف الطول التي تخفّى الكاتب وراءها ليقول كل شيء في رواية تاريخية تناولت الزمن الفلسطيني الذي عرف مقاومة الإنكليز واليهود الذين توحّدوا من أجل اقتلاع الفلسطينيين من قراهم ومدنهم ورميهم في المنافي القريبة والبعيدة وامتلاك ما امتلكوه من مقاومة فيها شجاعة عرفتها البلاد الفلسطينية، كما تتحدث عن عز الدين القسام ورفاقه وعبد القادر الحسيني ورفاقه وعن أمكنة كثيرة مثل “القسطل، حيفا، القدس” وعن مدن عربية مثل بغداد ودمشق من أجل تأكيد أفعال المقاومة والمواجهة أولاً، ودور المساندة العربية ثانياً، مؤكداً حميد أنها رواية تاريخية وكتاب يمجّد تاريخ البطولة الفلسطينية في شخصية زريف الطول البطل الشعبي الذي اخترق حدود ما هو طبيعي في الشخصية البشرية لتصير حلماً شعبياً، فنُسب إليه كل فعل مقاوم حتى لو قام به غيره، فغدا المعادل الموضوعي للألم الفلسطيني من جهة، والباعث على الأمل والانتصار من جهة أخرى، لذلك نسجت الذاكرة الفلسطينية بطولات ونضالات شتى حول شخصيته، حتى صار زريف الطول أشبه بشخصية أسطورية، فتم تأليف الأغاني له، وصار لازمة لنمط من الغناء الثوري والعاطفي..
من هنا رأى حميد في الرواية صفحات عديدة حافلة بالغرائبي والعجائبي والأسطوري من خلال استخدام الكاتب لتقنيات يتقنها كروائي وسينمائي من أجل إتمام القول أو المعنى لنقل ما هو واقع إلى ما هو فوق واقعي ووسم الطبيعي ودمغه بما هو ليس طبيعياً.
توثيق روائي
ورأى الناقد أحمد علي هلال أن رواية “زريف الطول” هي رواية الذاكرة الفلسطينية بامتياز، وذات النزوع إلى تأبيد البطولة الفردية والجمعية، وكل ذلك في سياق حساسية نقدية للتاريخ وفهمه بأمثولة الرواية التي قدم فيها الكاتب شكلاً جديداً ومغايراً من أشكال المغامرة السردية مع نزوعه إلى توثيق أكثر من مرحلة في تاريخ القضية الفلسطينية، وهو توثيق روائي احتفى بالمراحل والشخوص ونمو فكرة الثورة المقاومة للعصابات الصهيونية والاحتلال الإنكليزي وإرهاصات المقاومة من خلال سيرورة فدائي في أزمنة مختلفة منذ نشأته وحتى خدعة استشهاده التي انطلت على الإنكليز ليبدو أكثر من طيف يجوب فلسطين حتى مخيم اليرموك، فيستعيد الكاتب فيها الحكاية الشعبية الفلسطينية نزوعاً إلى أسطورة زريف الطول في الوعي الشعبي واستحضار شخصيات تاريخية كعز الدين القسام وعبد القادر الحسيني، وغيرهم، ليخلص إلى تاريخ روائي عبر منظورات شخصياته الواقعية الملحمية في آن.
رواية للنخبة
وبعيداً عن سراديب النقد فضَّل د.ثائر عودة تقديم إضاءته على الرواية متوقفاً عند العتبات والاستراتيجيات والبناء الروائي، فبدأ بالعنوان الذي وجد فيه دلالة إيحائية بين الكاتب والقارئ تحيل إلى شخصية تاريخية امتزجت بين الأسطورة والواقع، ورأى عودة أن التمهيد الذي قدمه الكاتب في بداية الرواية شبيه بالمقدمات التي نجدها في الرسائل البحثية، وهو أمر لم يكن ضرورياً برأيه، حيث أن الكاتب لم يسقط فيه في فخ البحث بل قدم عملاً روائياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، مبيناً كذلك أن دلالة الكلمات التي ضمّنها الكاتب في روايته والتي تشعبت بشكل جميل كانت تنوب مرات عدة عن عناوين الفصول التي غابت عن الرواية وتلخص ما سبق أو تُنبئ بحدث قادم، محاولاً فيها الكاتب كسر نمط السردية التي كتبها بلغة راقية والتي سرعان ما انتهت بلغة عادية تحولت في بعض الفصول إلى تقرير صحفي فيه الكثير من الأحداث التاريخية التي يعرفها القارئ، وكان من الممكن الاستغناء عنها، مع تأكيد عودة على أن الرواية تتمرد على الرواية الكلاسيكية على صعيد الشكل الفني، ورأى أن ذلك أمر طبيعي لأن الكاتب هو مخرج سينمائي أيضاً، وقد استفاد من تقنيات السينما في كتابتها على صعيد التلاعب بالزمان والمكان بآن واحد، دون أن يؤثر ذلك على سير الأحداث، حيث كتبها الكاتب –برأيه-كما ينجز فنه السينمائي دون أن تغيب اللغة الشعرية عن بعض مفاصلها والتي رآها عودة محطة استراحة للقارئ، دون أن ينفي أنها رواية موجهة للنخبة، وأن القارئ العادي سيتعب في قراءتها.
رواية حديثة
وعبرت د. آداب عبد الهادي عن إعجابها الشديد بالرواية ورأت أن أبرز ما يميزها أنها تمردت على الرواية الكلاسيكية من خلال التقنيّات الغريبة التي استخدمها الكاتب مستفيداً من كونه يعمل في الإخراج السينمائي فنجح في توظيف مهاراته السينمائية لينجز في النهاية رواية حديثة بلغة سلسة قريبة من القارئ.
سرد فلسطيني جديد
واعترف الكاتب وليد عبد الرحيم في كلمته في نهاية الندوة أنه في العام 1962 مزق روايته الأولى التي حملت عنوان “المنفى” ولكن عندما أصدر روايته “لست حيواناً” كتبها بنفس الأسلوب الذي يقوم على الجمع بين الشعر والنثر وما هو روائي وما هو سياسي، وأن فكرة رواية “زريف الطول” بدأت منذ أن كان مراهقاً، وأن الشكل الروائي لرواياته السابقة وروايته “زريف الطول” مثير للجدل، وقد حاول من خلاله تقديم سرد فلسطيني جديد وهو راض عن الرواية وعن الأشكال الفنية التي ابتكرها فيها جامعاً ما بين الشعر والنثر والقصة والسينما والمسرح والفن التشكيلي، مؤكداً أنه يرحب بكل النقد الذي قدمه المشاركون.
يذكر أن الندوة عقدت بالتعاون ما بين الأمانة العامة ودار دلمون وأكاديمية الثقافة واختتمت بمنح الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين مديرة دار النشر عفراء هدبا بطاقة عضوية الأمانة العامة تقديراً لنشاطها وتعاونها المستمر مع الكتاب والمؤلفين.
أمينة عباس