ثقافةصحيفة البعث

مئوية نزار قباني 1923-2023 من دار الأوبرا بقيادة عدنان فتح الله

ملده شويكاني

“اسم حضاري كبير، اسم ثقافي كبير، اسم تراثي كبير، وهي في هذا المعنى، تتجاوز حدود اسمها لتصبح الكون كله بالنسبة ليّ، إنني مجنون دمشق لا مجنون ليلي، ففي العالم العربي مجنون ليلى، ولكن ليس هناك إلا دمشق واحدة… من دمشق  ينطلق صوتي هذه المرة…  من دمشق ينطلق من بيت أمي وأبي … في الشام تتغير جغرافية جسدي… تصبح كريات دمي خضراء… وأبجديتي خضراء”

من فناء البيت الدمشقي الكبير في مئذنة الشحم، من المشرقة وشجرة الليمون وأريج الياسمين الفوّاح وبياض الفلّ، انطلقت الاحتفالات بمئوية ولادة الشاعر نزار قباني، فكان حاضراً بروحه وحضوره الكبير وبوقع صوته وهو يلقي قصائده من خلال الفيديوهات، بربط مباشر بين الخلفية السينمائية والأداء المباشر على المسرح، باحتفالية استحضرت أجمل قصائده المغناة بأصوات سورية بمرافقة الفرقة الوطنية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله.

استهل الاحتفالية المايسترو أندريه معلولي المدير العام لدار الأوبرا بالحديث عن شعر نزار قباني الذي تناول الحب والوطن، وعن علاقته المتجذرة بدمشق التي كانت المرأة والمدينة، وعن مؤازرته قضايا المرأة ومناضلته بالشعر دعماً لفلسطين.

بوح غنائي

ثم عُرض فيديو للقاء نزار قباني مع محمد عبد الوهاب أثناء تلحينه قصيدة” أيظن” لنجاة الصغيرة، فغنتها ديانا سعيد بإحساس درامي بالمقدمة القوية ” أيظن” مع مرافقة الوتريات بجمل قصيرة بالفاصل الصغير بين تكرار الجمل الغنائية:

أيظن أنني لعبة بيديه

أنا لا أفكر في الرجوع إليه

وتابعت بدور آلات التخت الشرقي، ومع الإيقاعيات والفرقة والأكورديون بتدرجات الصوت لتقفل ب” ما أحلى الرجوع إليه”.

البيانو وتدرجات

وإلى صوت نزار قباني وهو يلقي قصيدته مدرسة الحب برفقة كاظم الساهر الذي لحن وغنى القصيدة، فيتوقف نزار قباني عند بيت:

فأنا من بدء التكوين

أبحث عن وطن لجبيني

فغناها رماح شلغين مبتدئاً الغناء بمرافقة البيانو-إياد جناوي- ليصل إلى

وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلني أحزن

لامرأة أبكي فوق ذراعيها مثل العصفور

ثم فاصل الهورن، ليكرر الجملة الصوتية لـ” علمني” بتدرجات مختلفة، وتابع الغناء مع الفرقة، إلى مقطع ” بنت السلطان”، ليقفل بـ ” ذكرى إنسان” وامتدادات لمساحة الصوت.

أطفال الحجارة

ويعود صدى صوت نزار قباني في مناداته القدس: يا قدس

يا قدس

يا قدس

يا جميلة تلتف بالسواد

من يقرع الأجراس في كنيسة القيامة

صبيحة الآحاد

من يحمل الألعاب للأولاد

في ليلة الميلاد”

ولم يقتصر الفيديو على القصيدة، إذ تابع حديثه عن ” أطفال الحجارة الذين أنهوا مرحلة الدندنة، وتصدروا القصيدة العربية وحوّلوها إلى عبوة ناسفة وإلى قنبلة موقوتة”.

فكان الفيديو مقدمة للقاء العمالقة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب بغنائهما ” أصبح عندي الآن بندقية” لتغني سيلفي سليمان بصوت حماسي قوي بدور النحاسيات بالمقدمة الموسيقية، وبالفواصل:

أصبح عندي الآن بندقية

إلى فلسطين خذوني معكم

ثم تتغير درجة الصوت والموسيقا:

أبحث عن طفولتي

وعن رفاق حارتي

عن كتبي عن صوري

عن كل ركن دافئ وكل مزهرية

ومع الطبل الكبير والفرقة تنهي القصيدة:

إلى فلسطين طريق واحد

يمر من فوهة بندقية

-الآهات وحارات دمشق

وتتغير الأجواء مع صورة فيروز والبيت الدمشقي، لتغني ليندا بيطار قصيدة موال دمشقي، والبداية مع الإيقاعيات والأكورديون- لينا ميهوب- والتخت الشرقي بصوتها الدافئ:

لقد كتبنا وأرسلنا المراسيلا

وقد بكينا وبللنا المناديلا

ومع الفرقة تابعت:

يا شام يا شامة الدنيا ووردتها

يا من بحسنك أوجعت الأزاميلا

وددتُ لو زرعوني فيك مئذنة

أوعلقوني على الأبواب قنديلا

وعلى وقع تأثير الآهات بصوتها وصور حارات دمشق القديمة وترديد الكورال في مواضع، والتناوب الموسيقي الغنائي تابعت لتتغنى بورق الصفاف ونهر بردى.

فكرة جديدة

رائعة نزار قباني “قارئة الفنجان” شغلت الحيز الأكبر والأجمل من الاحتفالية بعزف الفرقة المقدمة الموسيقية الرائعة لألحان محمد الموجي التي بدا فيها التقطيع الموسيقي والتناوب بمستويات موسيقية متعددة، بدور آلات النفخ الخشبية في مواضع والإيقاعيات اللحنية والغيتار والأكورديون في مواضع أخرى، بعد عرض فيديو مؤثر جمع بين عبد الحليم حافظ ونزار قباني أثناء لقاء معهما، فتحدث حليم عن إعجابه بفكرة القصيدة الجديدة.

فأطل خلدون حناوي- الذي غنى بألبومه باللهجة المصرية وتعاون مع كبار الملحنين المصريين المعاصرين- على جمهور الأوبرا، ومنذ المقطع الأول حاز على إعجابهم:

جلست والخوف بعينيها

تتأمل فنجاني المقلوب

وتابع حناوي غناء القصيدة بأداء رائع بمرافقة الفرقة واختلاف المقاطع ودرجات الصوت، ليبدع بالقفلة بتدرجات صوته” ليس لها عنوان ياولدي”.

سورية لا تنسى أبناءَها

وفي حديث خاص مع “البعث” أوضحت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوّح بأن الاحتفالية كانت انطلاقة لجملة نشاطات شعرية وأدبية ونقدية وموسيقية تمتد حتى نهاية هذا العام احتفاء بمئوية ولادة الشاعر العربي السوري نزار قباني، لأن سورية لا تنسى أبناءَها، ونزار قباني من ألمع شعراء العصر الحديث، ذاع صيته في كل العالم العربي وحفظ شعره كل العرب.

وعقبت على غناء قصائده بأصوات سورية بأن نجاة الصغيرة من أصل سوري والشاعر سوري، وليس مستغرباً بأن أيّ صوت جميل قادر على التعبير عن الشعر الجميل بمرافقة الألحان الشجية للعباقرة، فكيف إذا كان من مسرح دار الأوبرا وبمرافقة الفرقة الوطنية للموسيقا العربية بأصوات خريجي المعهد العالي للموسيقا.

التوازي الموسيقي الشعري

المايسترو عدنان فتح الله أوضح بأن الاحتفالية تحية إلى الشاعر الكبير لنؤكد على عظمة نتاجه الشعري بغناء خمس قصائد بأصوات سورية، متوقفاً عند قصيدة قارئة الفنجان التي كان لها وقع كبير على العالم العربي، وعلى الغناء العربي والموسيقا، مشيداً أيضاً بتجربة كاظم الساهر بتلحين قصائد نزار قباني، وبيّن بأن تجربة التلحين لنزار قباني صعبة ومسؤولية كبيرة لضرورة توازي المستوى الموسيقي مع مستوى الكلمات.

فالت وموزون

وأعربت ديانا سعيد عن سعادتها بغناء شعر نزار قباني، مشيرة إلى أن أغنية أيظن ليست سهلة ولها طابع درامي لقصة عاطفية فيها أكثر من حالة بمطارح فالت ومطارح موزون.

صعوبة الأغنية

أما خلدون حناوي الذي اشتُهر بغنائه باللهجة المصرية، فتحدث عن سعادته بغناء قارئة الفنجان  للمرة الأولى بعد غنائه لأم كلثوم والطربيات والموشحات، منوّهاً إلى صعوبة أداء الأغنية.