اقتصادصحيفة البعث

“كان يا ما كان”!

قسيم دحدل 

ثمّة قضية شائكة تستفحل في كلّ مرة يتمّ فيها رفع أسعار مادتي المازوت والبنزين، وهي قضية النقل وأجوره عامة، والنقل وأجوره بين المحافظات خاصة. نقول “قضية” لنلفت الانتباه إلى وجوب وضرورة مناقشتها ودراستها وإيجاد الحلول لها من قبل الوزارات المعنية، حيث إن لها تداعياتها. ورغم أنها “كارثية” – برأينا – لكنها، على ما يبدو، بعيدة عن انتباه واهتمام الجهات المعنية!

وأهمية القضية التي نطرحها، والتشديد على ضرورة معالجتها، يستندان إلى أن الكثير من السوريين هم من أبناء الريف، لكنهم، بحكم الوظيفة والعمل، مقيمون في العاصمة والمدن الرئيسية. وهذا الكثير لديه أراضٍ زراعية كانت ما قبل الأزمة تشكّل مصدراً للإنتاج الزراعي والحيواني، وبالتالي مصدراً جيداً للرزق، يدعم فيه دخله المتواضع من الوظيفة، سواء أكانت عامة أم خاصة.
إلّا أن الحال انقلب رأساً على عقب بعد أن وصلت أجور النقل إلى مبالغ كبيرة نسبياً، ووجد فيها الكثير عبئاً مالياً ليس بالمستطاع، بحيث وجد نفسه مرغماً عى ترك أرضه وما عليها من زرع وشجر وثمر.. إلخ، لتلاقي مصيرها المحتوم، وهو خروجها من دائرة الاستثمار والإنتاج، وبالتالي فقدان العائد المالي.
وما زاد في تفاقم هذا الوضع المؤسف جداً ارتفاع أسعار مستلزمات ومتطلبات الإنتاج الزراعي والحيواني، إلى حدّ انعدمت فيه أية جدوى اقتصادية وزراعية. وعلى سبيل المثال والتوضيح، فإن تكلفة انتقال أسرة مؤلفة من أربعة أفراد وسطياً، من دمشق إلى اللاذقية وريفها، لقطف زيتونها أو حمضياتها، وصلت إلى أكثر من 120 ألف ليرة ذهاباً ومثلها إياباً فقط ولمرة واحدة، أي ما مجموعه 240 ألف ليرة! فما بالكم لو أراد ربّ هذه العائلة، ممن يمتلكون – مثلاً – 50 شجرة زيتون أو حمضيات، فلاحة أرضه وتسميدها ورش أشجارها بالمبيدات وتقليمها ومتابعتها حتى يحين موعد القطاف، كم ستكون محصلة التكاليف التي سيتكبّدها، في ظل ما أصبح معلوماً ومعروفاً من أسعار جنونية؟!
لا شكّ أن الخسارة التي يتكبّدها السوريون، ممن يمتلكون حيازات زراعية، هي في ازدياد مطرد، نتيجة الارتفاعات المتوالية في أسعار المحروقات ومستلزمات الإنتاج، وتلك الخسارة لو قُدّر للحكومة، أو أي جهة مختصة خاصة، دراستها وحسابها، لهالنا ما يفوتنا يومياً من منفعة اقتصادية ومالية!
ولعلّ خسارة الخسارات تلك التي أدّت، وستؤدي، إلى خروج مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وموت ما عليها من حياة.. حياة كانت قبل 12 عاماً تمدّ الكثير من السوريين بما يقوون به على تكاليف معيشته، واليوم أصبحوا ينادون من لا حياة له.. ولسان حالهم يقول: “كان يا ما كان..”!!!
Qassim1965@gmail.com