مبادرة الحزام والطريق.. هل تصمد أمام الضغوط الغربية؟
طلال ياسر الزعبي
لا شكّ أن مبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ، في عام 2013، كانت عنصراً مفاجئاً للغرب الذي شعر بأن البساط بدأ فعلياً يُسحب من تحت قدميه، فهذه المبادرة التي ستركّز على الاستثمار في البنية التّحتيّة، والتّعليم ومواد البناء، والسّكك الحديديّة والطّرق السّريعة، والسّيارات والعقارات، وشبكة الطّاقة والحديد والصّلب، استقطبت اهتمام العديد من الدول النامية في آسيا وإفريقيا، وخاصة أنها تمتلك العديد من الثروات التي تؤهّلها للصعود ولكنها تفتقر إلى التمويل اللازم لذلك.
فالطرح الصيني مبنيّ على مجموعة من الإغراءات، منها بناء سوق كبير موحّد والاستفادة الكاملة من الأسواق الدولية والمحلية، من خلال التبادل الثقافي والتكامل، لتعزيز التفاهم والثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء، وتدفقات رأس المال وتجمّع المواهب، وقاعدة بيانات التكنولوجيا.
ولكن الصدى الإيجابي لهذه المبادرة لدى الدول النامية دفع الغرب إلى العمل على تعطيلها أو محاولة خلق تحالفات جديدة مع الغرب، وخاصة أنها تهدف تدريجياً إلى خلق أسواق جديدة للمنتجات الصينية، وتصدير القدرة الصناعية الفائضة، ودمج البلدان الغنية بالسلع بشكل أوثق بالاقتصاد الصيني، حيث سيؤدّي ذلك تدريجياً إلى زيادة النفوذ الصيني في العالم، وهذا ما يخشاه الغرب.
طريق الحرير البحري سيربط أكبر الموانئ الآسيوية والإفريقية والأوروبية بالصين عبر قناة السويس، وهذا سيمثّل حلولاً كاملاً في الطرق التجارية التي كانت تستخدمها الدول الاستعمارية سابقاً، وخاصة بريطانيا، ومن هنا يمثل نجاح هذه المبادرة خروجاً تدريجياً للغرب من السيطرة على التجارة العالمية لمصلحة الصين، التي تعهّدت بربط جميع هذه الدول بالتنمية على نطاق واسع، ومن هنا راح الغرب يعمل على التشكيك بإمكانية قدرة الصين على تحقيق ذلك، ولكنه فشل أمام سعي الكثير من الدول إلى الانضمام إلى المبادرة (نحو 68 دولة)، وهي تحتل حيّزاً هائلاً من حجم التبادل التجاري حول العالم، وتقطنها النسبة الكبرى من السكان.
ومع قيام الصين باستثمار هذا الزخم الكبير من التعامل معها في التسويق لعملتها كعملة أساسية في التعاملات التجارية العالمية، تكون قد وضعت لبنة أساسية في مدماك فرض عملتها كعملة صعبة تنافس الدولار، وخاصة أنها أكبر مالك للاحتياطات الأجنبية بـ 3 تريليونات دولار، ومن جهة أخرى لأنّ 10,92 من احتياطات الدّول لدى صندوق النّقد باليوان.
ويُنظر إلى مبادرة الحزام (البري) والطريق (البحري) من الغرب على أنها محاولة صينية لنسج تحالفات سياسية وعسكرية تحت ستار التجارة، وبالتالي تزداد في الغرب المحاولات الرامية إلى إجهاض هذا المشروع بأيّ شكل من الأشكال، وقد حاول الغرب مؤخراً التسويق لمشروع الممر الاقتصادي الجديد بين الهند والخليج وأوروبا (IMEC)، وفي حال اكتماله تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أنه سيمثل تحدّياً لمبادرة “الحزام والطريق”، وتتوقع أن يساهم الممر في تنشيط التنمية الاقتصادية من خلال تحسين الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا.
ولكن المشروع بصيغته الحالية يمثل استنساخاً مصغّراً للتجربة الصينية عبر “الحزام والطريق”، وخاصة أنه يدّعي أن الغاية منه “تحفيز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي عبر القارتين من أجل نمو اقتصادي مستدام وشامل”، وهو في حقيقته يفتقر إلى القدرة على خنق المبادرة الصينية مع وجود عدد كبير من الدول منخرط في المبادرة الصينية، بالإضافة إلى القدرة الهائلة التي تمتلكها الصين في تمويل مشروعها، فضلاً عن حجم التجارة الكبير للصين مع هذه الدول وغيرها، وهذا سيجعل من إمكانية تحقّق المشروع حسب الرغبة الأمريكية صعباً، ولا سيّما أن الطرق التي تعتمدها الصين في مبادرتها متنوّعة جغرافياً من شمال آسيا إلى وسطها وجنوبها، وعدد الدول المستهدف فيها يمثل رقماً صعباً من حيث حجم التجارة والناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن الرغبة الجامحة لدى هذه الدول مجتمعة في التخلّص من هيمنة الغرب والوصول إلى عالم متعدّد الأقطاب.