تحالف يلهم إفريقيا
هيفاء علي
تشكل تحالف عسكري سياسي جديد في إفريقيا بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وبحسب المراقبين، تشكّل هذه الوحدة جزءاً من مسار الوحدة الإفريقية والعالم المتعدّد الأقطاب، في معارضة قوية لأولئك الذين يشعرون بالحنين إلى الأحادية القطبية، والذين يتجمعون ضمن أقلية كوكبية.
كما يمثل هذا التحالف بين دول الساحل الثلاث أيضاً مصدراً كبيراً لإلهام الدول الإفريقية الأخرى، لجهة أن إضفاء الطابع الرسمي على التحالف العسكري بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر -بعد أن اختارت الدول الثلاث بشكل لا لبس فيه طريق الاستقلال الحقيقي والسيادة في إطار إفريقي مؤيد للتعددية القطبية- قد حظي بترحيب إيجابي كبير من قبل العديد من الأفارقة والمتعاطفين مع التعددية القطبية الدولية.
ووفق ما أشارت المواقع المالية، فهناك قوة في الأعداد، وأن باماكو وواغادوغو ونيامي قد خطوا خطوة عملاقة في تعزيز علاقاتهم، ولاسيما فيما يتعلق بالدفاع العملي عن الأراضي المشتركة. وهكذا تجلّت هذه الرغبة المشتركة من خلال إنشاء منظمة تُسمّى تحالف دول الساحل، الذي تمّ إنشاؤه بموجب وثيقة بعنوان “ميثاق ليبتاكو غورما”، تمّ التوقيع عليه بالأحرف الأولى من قبل رؤساء الدول الثلاث الموقعة، وهم العقيد أسيمي غويتا من مالي، والكابتن إبراهيم تراوري من بوركينا فاسو، والجنرال عبد الرحمن تشياني من النيجر. وعليه، من الواضح أن هذا القرار التاريخي، الذي يتناسب تماماً مع إطار الأحداث المعاصرة، يمثل أيضاً صفعة مدوية على وجه القوى الاستعمارية الجديدة المتحدة حول المحور الغربي- الناتو التي تحنّ إلى حقبة ماضية.
وعلى وجه التحديد، فإن النخب الغربية، التي كانت غير قادرة على التكيّف مع عالم متعدّد الأقطاب المعاصر، خاطرت في نهاية المطاف بمواجهة عمليات إجلاء مهينة لقواتها ومرتزقتها في إفريقيا، كما هي الحال في بلدان أخرى وأماكن من العالم، بالإضافة إلى ميزة إضافية تتمثل في مراقبة الوضع الحالي، وترى بأم عينها فرحة سكان الدول المعنية الذين سيرافقونهم إلى مدرج الإقلاع.
واليوم تؤكد كلّ الأحداث المرصودة هذه التوقعات رغم المعارضة الشديدة من القوى الرجعية الغربية، ولكن إفريقيا، القارة الغنية بالتاريخ والتقاليد والموارد الإستراتيجية وسكانها الشباب الديناميكيين والمفعمين بالقوة والنشاط والعنفوان، لديها الآن أكثر من أي وقت مضى الوسائل اللازمة لتوجيه الضربة النهائية لأعداء القارة الذين، على الرغم من ابتساماتهم المنافقة المعتادة، لن يتمكنوا بعد الآن من إخفاء وجههم الحقيقي. وفي الوقت نفسه، لم تعد إفريقيا وحدها، بل بات بوسع إفريقيا الحرة ذات السيادة أن تعتمد على القوى الرئيسية التي تعزّز النظام الدولي المتعدّد الأقطاب، وخاصة روسيا والصين.
وعلى هذا النحو، فإن الزيارات الأخيرة التي قام بها نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك إيفكوروف إلى العديد من البلدان الإفريقية، بما في ذلك مالي وبوركينا فاسو، تدعم هذه الأطروحة. وبعد ذلك، استقبل الرئيس المالي عاصمي غويتا المشاركين في هذا الاجتماع، كلّ هذا جاء قبل وقت قصير من الإعلان عن إضفاء الطابع الرسمي على التحالف العسكري بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وفيما يتعلق بالنيجر على وجه التحديد، البلد الذي لا يزال يواجه اليوم الغطرسة الشديدة للنظام الفرنسي والضغوط من الغرب، فقد استقبل رئيس الدولة عبد الرحمن تشياني وعدد من أعضاء الحكومة النيجرية وفداً صينياً رفيع المستوى. ومن ثم، أكد الممثل الخاص لجمهورية الصين الشعبية للشؤون الإفريقية، السيد ليو يوكسي، ارتياحه الكامل عقب هذا اللقاء مع رئيس النيجر وغيره من الممثلين رفيعي المستوى في البلاد. أما بالنسبة للدبلوماسي الصيني الكبير، فقد ركزت التبادلات المتعمّقة على العلاقات بين الصين والنيجر، وهي علاقات طويلة الأمد ومثمرة للغاية، مضيفاً أن الصين تهدف إلى مواصلة تطوير هذا التعاون وتعميق الصداقة بين الشعبين الصيني والنيجيري، وبين الشعب الصيني والشعوب الإفريقية عامةً.
وبالنتيجة، من يُطالب اليوم بالخروج عليه أن يخرج، لأن “الشراكات” المفروضة بالقوة انتهت حتماً، ولأن إفريقيا كانت وستظلّ أحد الأقطاب الرئيسية لعالم متعدّد الأقطاب. ولا شك أن اختيار مالي وبوركينا فاسو والنيجر يشكل مصدراً إضافياً هائلاً للإلهام اليوم من أجل إفريقيا الحرة والقوية والمستقلة.