دراساتصحيفة البعث

هل يطيح زلزال تركيا بأردوغان؟

عناية ناصر

في أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب شرق تركيا، تمّ الشروع بعملية تغطية كبيرة لإنقاذ سمعة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يواجه وضعاً سياسياً حرجاً حتى قبل الزلزال، بسبب نهج سياسته الاقتصادية، والارتفاع القياسي في معدلات التضخم. وفي ظلّ السقوط الحرّ للاقتصاد، والانتخابات العامة المقرّر إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام، وقد يكون مصير أردوغان الآن في أيدي الولايات المتحدة.

منذ آذار 2014، حذّر المحلل الاقتصادي جيسي كولومبو في مجلة “فوربس” من أن اقتصاد الفقاعة في تركيا، القائم على مزيج من تدفقات “الأموال الساخنة” الأجنبية -مفهوم درج استخدامه في الفترة الأخيرة في بعض الدول ذات الاقتصادات الناشئة، بما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في سعر صرف العملة المحلية والأسواق المالية- إلى الداخل ومعدلات الفائدة المنخفضة للغاية، يتجه نحو الانهيار.

لقد أخّرت صفقات المقايضة، مع دول مثل قطر والصين وكوريا الجنوبية والإمارات، انهيار الليرة التركية. وفي الوقت نفسه، تمّ تخفيض عجز الحساب الجاري المزدهر في تركيا من خلال تدفقات رأس المال غير الخاضعة للمساءلة والتي تمّ تسجيلها على أنها “صافي أخطاء وسهو”.

لكن وبعد يومين على وقوع الزلزال وانهيار الأبنية، تمّ إغلاق سوق الأسهم في اسطنبول بعد أن دخل المؤشر القياسي في حالة من السقوط الحر، وقد أعيد فتحه الآن للتعويض عن الخسائر. كما أصدرت الحكومة تعليمات لصناديق التقاعد الخاصة لزيادة حيازاتها من الأسهم التركية من 10 إلى 30 في المائة لدعم سوق الأوراق المالية. وخلال زيارته إلى المنطقة المنكوبة بالزلزال، كان أردوغان بالفعل في موقف دفاعي، حيث استبق الانتقادات التي ستوجّه له من خلال الاعتراف بـ”أوجه القصور” في استجابة الحكومة، وذلك بقوله: “لا يمكنني تحمّل الأشخاص الذين يقومون بحملات سلبية من أجل المصلحة السياسية”.

يكشف نمط المباني المنهارة في منطقة الزلزال عن عدم استقرار أساسي في بنيتها، ويتجلّى ذلك من خلال الأدلة، فقبل الانتخابات العامة 2018 والتي انتخب بموجبها أردوغان رئيساً للبلاد، تمّ إعفاء ما يقرب من 295 ألف مبنى في المحافظات المتضررة من الالتزام بلوائح البناء، حيث يمكن القول إنه إجمالاً، تمّ تمديد إعفاء البناء هذا ليشمل 3.1 مليون مبنى في جميع أنحاء البلاد.

وفي سياق متصل، أشار رئيس بلدية اسطنبول، أكرم إمام أوغلو، إلى أن الدولة منحت عفواً عن 317 ألف مبنى في المدينة الضخمة، لذلك يوجد الآن 90 ألف مبنى معرضاً لخطر الانهيار في حالة وقوع زلزال كبير، وهذا أمر محتمل، لأن اسطنبول تقع في منطقة صدع شمال الأناضول على عكس منطقة صدع شرق الأناضول، حيث حدثت الزلازل الأخيرة.

إن الأضرار الناجمة عن الزلزال ليست حتمية، ولا يجب أن تكون مدمّرة، حيث نجت أربعة مستشفيات في مناطق الزلزال من الأضرار بسبب استخدام أجهزة العزل الزلزالي أثناء البناء، فهذه الأجهزة، التي تكلف كل واحدة منها نحو 4000 دولار، كانت ستحدث فرقاً كبيراً لو تمّ تركيبها في مبانٍ أخرى قبل الزلازل.

هناك أسئلة رئيسية تمّ طرحها، أولها: ما الذي حدث لضرائب الزلزال والمقدّرة رسمياً بنحو 88 مليار ليرة (4.6 مليارات دولار)، والتي تمّ جمعها منذ آخر زلزال كبير عام 1999 لمنع الدمار الحالي؟ لقد تجنّب أردوغان الغوص في هذه القضية وقام بالمراوغة حولها.

والسؤال الثاني: من يتحمّل مسؤولية عدم الالتزام بقوانين البناء؟ هنا، يتحمّل أردوغان المسؤولية، حيث ظهر شريط فيديو يتفاخر فيه أردوغان بالعفو عن البناء الممنوح للمباني في كهرمان مرعش، مركز الزلزال. وفي محاولة لإبعاد اللوم، تمّ إنشاء مكاتب التحقيق في جرائم الزلزال، والتي أسفرت حتى الآن عن اتخاذ إجراءات قانونية ضد 134 مشتبهاً بهم، معظمهم من المقاولين.

أما أردوغان فقد زعم أن 98 في المائة من المباني المنهارة بُنيت قبل عام 1999 أي قبل الزلزال السابق، وبالتالي فهي مسؤولية الحكومة السابقة. ومع ذلك، تظهر البيانات أن ما لا يقلّ عن نصف المباني المنهارة تمّ بناؤها بعد عام 2001. بالإضافة إلى ذلك، يظهر مقطع فيديو أن المباني القريبة من مركز الزلزال قد تمّ بناؤها في عام 2004، بعد عامين من تولي حكومة حزب العدالة والتنمية للسلطة.

أصدرت الولايات المتحدة تعليمات للتحرك لمساعدة تركيا، بالإضافة إلى إرسال فرق للبحث والإنقاذ وفريق الاستجابة للمساعدة في حالات الكوارث. كما أعلنت الإدارة الأمريكية أنها قد تثير مسألة المساعدة الأمريكية لإعادة إعمار منطقة الزلزال، وعند هذه النقطة ستكون مسألة تحقيق توازن بين المساعدات الإنسانية وضمان بقاء نظام أردوغان.