“ذرعان”.. سردية واقعية بتقنية مختلفة
يحرصُ فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب على الاحتفاء دوماً بما ينتجه المبدعون من أعمال روائية وشعرية وقصصية وفكرية ومسرحية، واعتاد د. إبراهيم زعرور كرئيس للفرع على التأكيد أن من واجب الاتحاد تعريف الجمهور على هذه الأعمال وكتّابها من خلال وضعها تحت المجهر تقديراً للجهود الكبيرة التي يبذلونها في أعمالهم.
من هنا وقع اختيار الاتحاد مؤخراً على رواية “ذرعان” للروائي محمد الحفري من خلال عقده لجلسة أدبية ونقدية بإدارة أ. أيمن الحسن، شارك فيها د. عبد الله الشاهر الذي قدّم قراءة نقدية لـ”ذرعان” بيَّن فيها أن بناء الرواية جاء من خلال زيارة بطل الرواية محمود المطور لقبر أمه، حيث تبدأ أحداثها من هذا المكان الذي يستعيد فيه البطل كلّ ما مرّ معه منذ طفولته، وخاصة الخوف والقلق الذي كان يعيشه: “ولدتُ من خوف اختلط مع الأيام بالقلق والمعاناة التي غدت درباً لحياتنا الحزينة التعيسة”، ورأى الشاهر أن “ذرعان” محشوة بحكايات وحوادث وأماكن وشخصيات وآراء عرضها الكاتب لمخاطب صامت موجود في القبر لتكون جردة حساب وذكريات بينه وبين أمه التي حمّلها الكثير من فشله. وأشار الشًاهر إلى أن الرواية بشكل عام بانوراما واسعة الطيف امتدت على زمن مفتوح بمحدودية مكانها، أغنتها أحداثها وكثرة شخصياتها التي رتّبها الكاتب بتوليفة عالية المستوى ضمن بنية سردية مغرية جداً لما امتلكته من رسم واضح للأحداث وبواقعية شديدة، مخترقاً الكاتب في البيئة الفنية الخط التقليدي للرواية ليغيّر مساره من خلال تقسيمة ابتدعها وتلاعب في تسميتها ووصفها ليوصلنا إلى رؤية مختلفة كان المكان فيها حاضراً حضوراً طاغياً كمسرح للأحداث والوجود المتخيل. وتوقف الشاهر عند أهم السمات التي تميّزت بها الرواية، وخاصة الحضور المكثف للحياة الاجتماعية بعلاقاتها المتشعبة وانتقاد الموروث والسلوك السياسي وسقوط الشعارات من خلال تعرّضه لأحداث أيلول والاعتداءات الإسرائيلية والاجتياح الإسرائيلي للبنان وحرب الاستنزاف من خلال تداخل السرد العام بالسرد الخاص عبر لغة بيضاء أو ما تُسمّى بالثالثة جاءت في سردية واقعية متوافقة مع الحدث مع دقة في الوصف وجمالية في التعبير وشاعرية في الحزن وتضمين الكاتب نصه أمثالاً دارجة وشعراً شعبياً.
الإنسان المقهور
وأوضح الروائي محمد الطاهر في مداخلة له، وهو الذي قرأ أغلب أعمال محمد الحفري، أن الكاتب يتحدث في كلّ رواياته عن سيكولوجية الإنسان المقهور، وأن أكثر ما أذهله في “ذرعان” هو ذلك التسلسل الذي اتبعه الكاتب في روايته واعتنائه بالتفاصيل، متبعاً في سردها أسلوب العرض السينمائي والمسرحي حيث المقبرة فيها كخشبة مسرح يقف عليها البطل مسترسلاً في حديثه مخاطباً والدته الراحلة ومن تألم معه ومنه ومن أجله.
جائزة استثناء
تُعدّ رواية “ذرعان” لمحمد الحفري والصادرة عن دار تموز واحدة من أربع روايات قام بكتابتها هي: “بين دمعتين– العلم– البوح الأخير”، وقد أوضح الحفري في تصريحه لـ”البعث” أن كل رواية من هذه الروايات فازت بجائزة باستثناء “ذرعان” التي كان لها الحظ باختيارها من قبل صندوق منحة الشارقة للترجمة، حيث تُرجمت للفارسية والألمانية والكردية، مبيناً أن جميع رواياته تلتصق بالبيئة المحلية التصاق الروح بالجسد، وكان هذا سبباً من أسباب تميّزها، إلى جانب اعتماده فيها على تقنية سردية مختلفة ومكان ساحر تدور فيه الأحداث في “ذرعان” الاسم الافتراضي الذي أطلقه الحفري على المكان الذي يتقارب فيه نهر وادي الرقاد مع اليرموك ثم تضيق المسافة بينهما ويلتقيان، وخلف ذلك سهلا سعد وبطاح وعيون الماء الغزيرة.
يُذكر أن محمد الحفري عرف في الأوساط الأدبية بلقب صياد الجوائز، فقد حصل على ١٧ جائزة منها: جائزة الشارقة للرواية العربية وجائزة الطيب صالح.
أمينة عباس