ثقافة

وليد قارصلي.. دمشق كما لم يرسمها أحد من قبل

كانت الموسيقا تغريه في طفولته، فكان يعزف على آلة الأكورديون والساكسفون، بينما كانت والدته الفنانة إقبال ترسم لوحاتها وهي تستمع إليه، ولم يكن يدري في يوم من الأيام أنه سيفعل ما كانت تفعله والدته، وهو الذي قرر في شبابه الالتحاق بأكاديمية ليننغراد لدراسة العلوم الالكترونية، إلا أن تعرضه لحادث أليم أصيب جراءه بشلل نصفي أقعده عن الحركة مدى الحياة، جعله يتجه إلى الرسم بيده الوحيدة التي ترجمت حبَّه لدمشق في معظم لوحاته، وقد رسمها كما لم يرسمها أحد قبله فاستطاع أن يشكل حالة فريدة في عالم الفن التشكيلي، حيث كان في الصف الأول من المبدعين السوريين على الرغم من أنه عاش معظم حياته صريع المرض الذي أقعده في فراشه أغلب سنوات عمره.

أيقونات تشكيلية
وكصديق شخصي لوليد قارصلي يبيّن الفنان موفق مخول في الندوة التي عقدت مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة بمشاركته ومشاركة المخرج محمد قارصلي شقيق وليد، أنه وبعد مرور عدة سنوات على رحيله افتقدت الساحة التشكيلية في سورية شخصية فريدة عاشت وضعاً صحياً صعباً للغاية، ومع هذا قدم فناً تشكيلياً مميزاً ومختلفاً عما كان سائداً من خلال لوحات روحانية كانت أيقونات وليست مجرد لوحات، مشيراً إلى أن علاقته مع الراحل وليد لم تكن علاقة فنان بفنان بل كانت علاقة إنسانية، وقد استفاد من طاقته، وهو وإن كان طريح الفراش إلا أنه استطاع رغم ذلك أن يصنع أسلوباً فنياً غريباً جديراً بالاحترام في الساحة التشكيلية، موضحاً أن وليد ركز في لوحاته على دمشق، المدينة التي أحبها وعبَّر عن هذا الحب من خلال لوحات كثيرة ظهرت فيها مختلفة، حيث قدم دمشق روحاً لا شكلاً، فكان من التشكيليين الذين صنعوا أساليب خاصة بهم، لتأتي لوحته روحاً بصرية حديثة وألواناً معاصرة وحباً كبيراً، لأنها كانت أساس بقائه في الحياة، وشكل بذلك حالة استثنائية في الساحة التشكيلية، ونوه مخول إلى أن الفن التشكيلي استفاد من وليد كحالة مبدعة، وهو بدوره استفاد من الفن حين أصبح بالنسبة له الحياة التي يعيش من خلالها.  وشكّل وليد قارصلي بأسلوبه التعبيري الواقعي الحديث مدرسة تأثرت أسماء كثيرة به وبلوحاته والتي قدم فيها الدهشة التي يحتاجها الفن من خلال رؤية بصرية عالية المستوى جعلتها راسخة في الذاكرة على الرغم من أنه أبدعها ولم يستخدم من جسمه المريض إلا يداً واحدة، صنع بها أجمل اللوحات التي أغنت الفن التشكيلي السوري، ولذلك كان من الضروري برأي مخول تعريف الجيل الجديد به، ومن هنا أيضاً، كان أحد الفنانين الذين حرصت وزارة التربية على إدراج أسمائهم ضمن المناهج الدراسية للتعريف بهم وبما قدموه للفن التشكيلي السوري.

علاقة عاطفية
ولم تكن علاقة وليد بالفن التشكيلي برأي شقيقه المخرج محمد قارصلي علاقة احترافية أو تقنية، بل كانت علاقة عاطفية شكَّل عبرها حالة فريدة ليس لأنه مقعَد بل لعلاقته العاطفية بالفن التشكيلي.. من هنا لم يحتفظ بلوحة لم يحبها، مبيناً أن وليد لم يدرس الفن التشكيلي، لكنه تربى في بيت والدته الفنانة إقبال ناجي رائدة الفن التشكيلي التي كانت أول امرأة تقيم معرضاً فردياً في سورية والوطن العربي، فتشرَّب الفن منذ صغره، وعندما كبر درس اختصاصاً بعيداً عن الرسم، إلا أن الحادثة التي تعرض لها أعادته للرسم، فكانت اللوحة وسيلته للتعبير، ونجح بسرعة وفي سن متأخرة في أن يقفز قفزات كبيرة في مجال الفن لتعويض ما فاته في صغره، واشتغل بعدة أساليب حتى استقر على أسلوبه الخاص في رسم لوحة من الغرافيك الملوَّن، مؤكداً أن علاقة وليد بدمشق كانت حميمية ومتميزة وفريدة، ولم يرسم أحد دمشق كما رسمها بلوحات كثيرة ترجم فيها حبه الكبير لها، مستعيراً من ذاكرته البصرية الغنية صورها وقد ترجمها بروحه.
ولصعوبة أن يختصر محمد قارصلي تجربة أخيه وليد بكلام أو بفيلم، حاول من خلال فيلمه “وليد” الذي أنجزه منذ سنوات طويلة لعرضه على هامش معرض يقيمه وليد في سويسرا لتعذّر سفره نتيجة حالته الصحية الصعبة، مؤكداً أن صنع هذا الفيلم كان من أصعب الأعمال التي أنجزها كمخرج، خاصة وأن وليد قارصلي كان حبيس غرفة صغيرة محدودة المساحة، منوهاً إلى أنه منذ البداية قرر ألا يتعامل مع الفيلم كمخرج ليقدم وليد ونظرته للحياة بعيداً عن البهرجة السينمائية، وليسلط الضوء على طريقة عمله على اللوحة وكيفية تعامله مع الأصدقاء والموسيقا، وقد ضمَّ الفيلم الذي عرضه محمد قارصلي أثناء الندوة  شهادات عديدة من فنانين تشكيليين كبار منهم نذير نبعة على سبيل المثال.
وعلى هامش الندوة افتتح معرض لوليد قارصلي ضم اللوحات التي بحوزة أخيه محمد، مع الإشارة إلى أن وليد يملك عدداً كبيراً من اللوحات تتجاوز الـ 1000 منها نحو 60 لوحة لوالدته إقبال و26 لوحة لأهم الفنانين السوريين الرواد وهي مخزنة في بيته.

أمينة عباس