سورية جوهرة العقد في مبادرة الحزام والطريق
إبراهيم ياسين مرهج
تستعد جمهورية الصين الشعبية للاحتفال بمرور عشرة أعوام على إطلاق مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير الجديد)، من خلال استضافة المنتدى الثالث للمبادرة بمشاركة 90 دولة، حيث كشفت الخارجية الصينية أن بكين وقّعت وثائق تعاون تتعلق بمبادرة الحزام والطريق مع أكثر من 150 دولة، وأكثر من 30 منظمة دولية.
وتكتسب الاحتفالية بالمبادرة أهمية خاصة والتوتر يسود العالم، نتيجة محاولات الولايات المتحدة الأمريكية الحثيثة التي تبذلها مع حلفائها، إن من ناحية مساعيها لإجهاض مشروع التنمية الصيني العملاق، أو من بوابة الحرب الأوكرانية، وكل ذلك يندرج في خطة واشنطن للإبقاء على هيمنتها على العالم.
على مدى عشرة أعوام من إطلاق المشروع العملاق، استطاعت المبادرة التي أنفقت عليها بكين نحو تريليون دولار موزعة ما بين 596 مليار دولار في عقود البناء، و420 مليار دولار أمريكياً في الاستثمارات غير المالية، والتي أدت وفق لتقارير بحثية صادرة علن البنك الدولي إلى زيادة التجارة في الدول التي وقعت عليها بنسبة تتراوح بين 2.8٪ إلى 9.7٪، وزادت نسبة التجارة العالمية بـ 1.7٪ إلى 6.2٪ وارتفع الدخل العالمي بنسبة بين 0.7٪ و2.9٪، حيث تؤكد التقارير الدولية أنه بحلول عام 2030 يمكن لهذه المشاريع أن تدرّ 1.6 تريليون دولار من العائدات للعالم كل عام، وهو ما يمثل 1.3٪ من الاقتصاد العالمي، حيث يتم تقاسم 90٪ من الفوائد من قبل البلدان المشاركة في عملية البناء، كما أن البلدان ذات الدخل المنخفض والبلدان ذات الدخل المتوسط، هي الأكثر استفادة من هذه المشاريع. وهكذا تظهر الحقائق بأن البناء المشترك للحزام والطريق هو طريق الفرص المؤدية إلى الازدهار المشترك.
التنمية هي الهدف
تنطلق الفلسفة الصينية لمبادرة الحزام والطريق من مبدأ أساسي أن التنمية ومشاركة الجميع في البناء والإعمار هو السبيل للخلاص من الهيمنة والاستغلال والاحتكار، وتضمن تطوراً متوازناً تحسيناً لرفاهية الناس لكل البلدان المشاركة في المبادرة بعيداً عن أي أهداف سياسية، وهذا ما أكده الرئيس الصيني شي جين بينغ في حفل افتتاح الدورة الثانية لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي: “إنه يجب أن نلتزم بفلسفة التنمية التي تضع في القلب منها مصلحة الناس، والتركيز على القضاء على الفقر وزيادة فرص العمل وتحسين معيشة الناس، حتى تعود نتائج البناء المشترك للحزام والطريق بفوائد كبيرة على جميع الناس وبشكل أفضل، وتقدم مساهمات ملموسة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية، وفي نفس الوقت تضمن الاستدامة التجارية والمالية”.
محاربة المبادرة
مع إعلان الرئيس الصيني إطلاق مبادرة الحزام والطريق، وواشنطن وحلفائها لا ينفكون في محاربة المشروع، تارة من بوابة العسكرة من خلال إحياء اتفاقيات عسكرية مع البلدان المجاورة للصين كاليابان واستراليا والهند وبريطانيا “أوكوس – كواد” مثالاً، أو من خلال تفجير الأوضاع الأمنية في وسط آسيا حيث كان الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان لقلب كل الاستقرار الأمني في القارة الصفراء، أو من بوابة الاقتصادية من خلال إبرام اتفاقيات طويلة الأمد مع الدول والبلدان في شرق آسيا، وتحفيز الهند على خوض مواجهة مفتوحة مع بكين، ولعل في إعلان عن الخط السككي بين نيودلهي مروراً بالإمارات والسعودية وصولاً إلى أوروبا الأكثر تعبيراً عن الأهداف الأمريكية لتطويق المشروع الصيني، وهذا ما قاله ديريك غروسمان المسؤول السابق عن تقديم الإحاطات الاستخباراتية لمساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن في آسيا والمحيط الهادي لمجلة “فورين بولسي”: إن التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في منطقة جنوب آسيا -من جبال الهيمالايا حتى الجزر الواقعة قبالة شبه القارة الهندية- يكتسب أهمية بالغة وربما يحدد مصير إستراتيجية واشنطن الهادفة لإبقاء المنطقة “مفتوحة وخالية” من النفوذ الصيني.
أو من خلال الضغوط السياسية، حيث أجبرت الضغوط الأمريكية على إيطاليا رئيسة وزرائها جورجيا ميلوني، إلى الإعلان أن روما تعتزم الخروج من مبادرة الحزام والطريق “التي صارت اختباراً لعلاقات بلادها مع الولايات المتحدة”.
سورية وطريق حرير
سورية لم تكن بعيدة عن مشروع الحزام والطريق “طريق الحرير الجديد” فهي تمثل الجوهرة في المشروع بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي كعقدة وصل بين الشرق والغرب، حيث أكد السيد الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع قناة “فينيكس” الصينية 2019، أن مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين “شكلت تحولاً استراتيجياً على مستوى العلاقات الدولية في العالم، حيث تعتمد على الشراكة والمصالح المشتركة عوضاً عن محاولات الهيمنة التي يتبعها الغرب، لافتاً إلى أن الصين كدولة عظمى تحاول أن تعزز نفوذها في العالم بالاعتماد على الأصدقاء والمصالح المشتركة التي تؤدى إلى تحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لدى كل الدول الموجودة في هذه المبادرة وتعزيز الاستقرار والازدهار في العالم”.
وفي الثاني عشر من كانون الثاني 2022 وقعت الصين وسورية على مذكرة التفاهم الخاصة بالتعاون بين الحكومتين الصينية والسورية ضمن مبادرة الحزام والطريق في دمشق.
واليوم يقوم السيد الرئيس بشار الأسد بزيارة إلى الصين على رأس وفد اقتصادي كبير سيلتقي خلاله الرئيس الصيني وكبار المسؤولين في بكين، حيث سيشكل نقلة نوعية في تطوير العلاقات بين البلدين وبالتأكيد سيكون لمبادرة الحزام والطريق نصيب الأكبر من المناقشات والمداولات.
بالأرقام
في عام 2021، على سبيل المثال، وقعت الصين 140 مذكرة تفاهم مع دول العالم، و32 مذكرة مع منظمات دولية، كان نصيب أفريقيا منهم 46، وآسيا 37، وأوروبا 27، وأمريكا الشمالية 11، ومنطقة المحيط الهادئ 11، وأمريكا اللاتينية 8 مذكرات تفاهم. في حين بلغت استثمارات الصين الخارجية المباشرة 82 مليار دولار أمريكي عام 2012، ووصلت إلى 154 مليار دولار أمريكي عام 2020، أي الضعف تقريبًا، محتلة بذلك المرتبة الأولى عالميًا في الاستثمار الخارجي.