“صدى الروح”.. تجلي الوعي عبر أزماتنا النفسية
سلوى عباس
ترتسم الخيبات والأزمات التي نعيشها على وجوهنا عنواناً لحزن يحصرنا في إيقاع رتيب، ويجعلنا أسرى تداعيات لذاكرة موحشة سوداوية لا تختزن إلا صور الألم التي تظللنا بكآبتها، ويبقى الحزن هو المسيطر على أرواحنا.
والعمل الدرامي “صدى الروح” الذي يُعرض على قناة سما الفضائية (تأليف حافظ قرقوط وإخراج الراحل محمد الشيخ نجيب) يقارب في أحداثه هذه الخيبات من خلال أبطاله الذين يحملون إرث ماضيهم على كواهلهم فتستحيل حياتهم إلى أزمات متعددة ومختلفة، مما يستوجب وجودهم في مشفى للأمراض النفسية رغم أن العلاقة بين الطبيب النفسي والمريض ما زال يكتنفها الكثير من الضبابية والإشكالية بسبب الرؤية القاصرة لطبيعة هذا المرض، واعتبار كل من يصاب به أنه مختل عقلياً. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا الطبيب يمثل جزءاً من حالة إنسانية اجتماعية قد يتعرض لكثير من أزمات قد تؤثر عليه، وهو بهذا ليس بمنأى عن التعامل مع الحالات المرضية بشيء من العصبية التي قد تنفّر منه المريض وبالتالي تجعل الهوة بينهما تتسع.
“صدى الروح” دراما اجتماعية نفسية تدخل إلى أعماق النفس البشرية تنبش في أزماتها وماضيها وتلامس طموحاتها التي لم تتحقق بحكم عوامل تختلف حسب كل حالة، وهذه الدراما تحاول إلقاء الضوء على أزماتنا الاجتماعية والإنسانية عبر شخصيات العمل التي تحمل كل شخصية منها قصة تمثل أزمتها التي تعيشها.
يحاول كاتب العمل أن يقدم رؤية جديدة للطب النفسي من خلال طبيب يدرس الطب النفسي في دولة أجنبية، يأتي إلى بلده لإنجاز رسالة الدكتوراه في هذا المجال فيختار مجموعة من المرضى في إحدى المصحات النفسية ويضعهم جميعهم في فيلا واحدة ليعيشوا هناك، ويوفر لهم كل الاحتياجات المادية والنفسية في خطوة يقصد منها وضع هؤلاء المرضى في جو من المراقبة الصحية التي تتوفر فيها ظروف الحياة الطبيعية التي يفتقدونها في المجتمع، ويعمل هذا الطبيب على معالجتهم بإجراء مجموعة من الدراسات عليهم ومتابعة حالتهم ومعالجتهم بالطرق الحديثة للطب النفسي، وبحكم تواصله الدائم معهم عبر العلاج تنشأ بينه وبينهم حالة من الألفة تجعله يكتشف أن عدداً كبيراً منهم يمكن أن يتماثلوا للشفاء من أمراضهم، ويكتشف حالة الظلم التي يعيشها هؤلاء المرضى بعد أن تخلى عنهم الجميع من الأهل والأقارب والأصحاب لأنهم بنظرهم مجانين، ومع مرور الوقت يصر الطبيب على معالجتهم رغم كل الصعوبات التي تعترضه من قبل محيطه الاجتماعي، وحتى من قبل الأطباء في المشفى الذين يضايقونه في عمله، لكن المفارقة الغريبة أنه يجد المساندة والتعاون من هؤلاء المرضى الذين يقفون معه ويرفضون الرجوع إلى المشفى.
هذا الطبيب لم يتصد لعلاج هؤلاء المرضى وحده، بل كانت ترافقه مساعدة تحمل شهادة في دراسة السلوك البشري قدمها لنا العمل إنسانة مثالية في تفكيرها وسلوكها، ومتفهمة لحالات المرضى جميعهم، ولديها الأسلوب المتقن في التعامل معهم واستيعابهم، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إلى أي مدى يمكن أن يتوفر الجو الملائم لمعالجة كهذه، وكم من المعالجين ستكون لديهم القدرة على فهم المرضى والتروي في معالجتهم بشكل فعلي؟ أعتقد أن الأمر هنا لا يتجاوز الطرح الدرامي ولو أن رسالة العمل جاءت على لسان الدكتور “سامح” قام بدوره الفنان رامي حنا عندما يقول:
“إن هؤلاء المرضى يحتاجون لمن يحبهم ويحترمهم ويخاطب إنسانيتهم، والحقيقة إنه ليس هؤلاء المرضى فقط من يحتاجون للحب والاحترام، بل جميعنا نحتاج أن ننتمي لإنسانيتنا وللحياة التي تليق بنا”.
إن أحداث العمل تمثل انعكاساً لعنوانه فما كانت تتحدث به شخصيات العمل كل حسب الدور الذي يجسده، ما هو إلا صدى لما تختزنه روحه من أفكار ورؤى تكمن في لاوعيه ولا يستطيع البوح بها بشكل طبيعي، فأراد الكاتب أن يوردها على شكل مقولات تحمل أبعاداً فلسفية وحياتية على لسان أشخاص مأزومين نفسياً، مما يجنبهم حكم القانون أو حتى الاصطدام بأي عوائق سياسية كانت أم اجتماعية.
وحسب ما طرح العمل من أفكار حول الطب النفسي فإن الخطأ في التعامل مع المريض النفسي يبدأ من الأهل الذين يأخذون مريضهم إلى المشفى ليس من أجل علاجه وإنما ليتخلصوا منه، وكأنهم بذلك يحكمون عليه بالموت دون أي إحساس منهم أن هذا المريض قد يتماثل للشفاء،
لكن وبرغم بعض الطروحات التي لا تتفق مع معطيات مشافينا وأطبائنا إلا أن العمل كان صدى لأرواحنا وأفكارنا جميعاً، خاصة وأن الفنانين المشاركين في العمل قد أبدعوا في تجسيد أدوارهم حيث شاركت فيه نخبة من نجوم الدراما السورية الذين لهم بصمتهم الفنية في تاريخ الدراما.