دراسة حديثة للأمم المتحدة.. الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني
عناية ناصر
خلصت دراسة جديدة للأمم المتحدة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني، حيث بحثت دراسة “شرعية الاحتلال الإسرائيلي” في سيطرة “إسرائيل” الممتدة على الأراضي الفلسطينية لمعرفة ما إذا كانت تنتهك القانون الدولي.
قام التقرير بتحليل القواعد والمبادئ المعمول بها، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقيات جنيف، والقرارات ذات الصلة لتقديم حجج مقنعة مفادها أن الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 56 عاماً تجاوز منذ فترة طويلة أي ضرورة عسكرية مؤقتة، وينتهك الحق الجماعي للشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
تاريخياً لم تتجاوز فترات الاحتلال الطويلة عشر سنوات، لكن مع ذلك فقد استمر احتلال “إسرائيل” للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة لأكثر من نصف قرن منذ عام 1967. وقد أعلنت الأمم المتحدة حرب الأيام الستة في حزيران 1967 “حرباً عدوانية”، وليست حرب “الدفاع عن النفس” التي تطالب بها “إسرائيل”، حيث أدّت الحرب إلى سيطرة “إسرائيل” على الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان في مخالفة لأحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي وهو “عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب”.
قدّمت الدراسة بدءاً بالأحداث التي سبقت الاحتلال نفسه أدلة واضحة ومقنعة على أن “إسرائيل” هاجمت مصر أولاً في عمل عدواني، مما جعل الاحتلال اللاحق غير قانوني منذ البداية. وفي اجتماع مجلس الأمن حول هذا الموضوع في عام 1967، تمّ رفض حجة الدفاع الاستباقية عن النفس التي قدّمتها “إسرائيل” على أساس أنها تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. وقد تمّ رفض حجج “إسرائيل” في الدفاع عن النفس رفضاً قاطعاً، بأن الحصار الذي فرضته مصر على مضيق تيران كان بمثابة عمل عدواني، وأن تصرفاتها كانت رداً على هجمات عبر الحدود شنّتها مدرعات مصرية. كان الحصار الذي فرضته مصر على مضيق تيران، كما هو موضح في الدراسة، في الأساس حصاراً أمرت به القاهرة على بحرها رداً على تهديد بهجوم من “إسرائيل”.
وقالت الدراسة إنه يختلف عن الحصار المفروض على موانئ أو سواحل “إسرائيل”، مكررة الحقائق التاريخية. وتجيز المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الاستعداد للدفاع عن النفس، بما في ذلك التدابير الاحترازية الخاصة في المياه الإقليمية للدولة، والتي كانت مصر تتخذها خوفاً من العدوان الإسرائيلي.
ومن الجدير بالذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أكدت مراراً وتكراراً على عدم شرعية احتلال “إسرائيل” للأراضي الفلسطينية والسورية منذ عام 1977، وأعربت عن قلقها العميق إزاء بقاء هذه الأراضي تحت الاحتلال غير القانوني لأكثر من عقد من الزمان، وأن هذا ينتهك الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني. وقد عزّزت محكمة العدل الدولية وجهة نظر الأمم المتحدة بشأن عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي، وفي فتاواها وأحكامها الصادرة في عام 2004، أكدت محكمة العدل الدولية مراراً وتكراراً على الحق في تقرير المصير باعتباره مبدأ أساسياً في القانون الدولي. وخلصت محكمة العدل الدولية إلى أن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير قد تمّ تقويضه بسبب الاحتلال الإسرائيلي من خلال سياسات مثل التوسع الاستيطاني، واستغلال الموارد، وبناء الجدار العازل، مما يهدّد نسيج المجتمع الفلسطيني. لقد اعترفت أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة بالوضع في فلسطين باعتباره حالة “تتعلق بحق تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية أو الأجنبية” والتي لم تتمّ تسويتها بعد. وعلى هذا النحو، فإن احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية، ومعاملتها على أنها “أرض متنازع عليها” مع “سيادة مفقودة”، إلى جانب عمليات الضمّ الفعلية والتلاعب الديموغرافي والمشروع الاستيطاني، من بين انتهاكات أخرى، ينتهك الحق المستمر في تقرير المصير وسيادة الشعب الفلسطيني.
من خلال تحديد الحجج الرئيسية التي تفسّر سبب كون الاحتلال غير قانوني، سلطت الدراسة الضوء على معاملة “إسرائيل” للسكان الفلسطينيين، وقالت إن سلوك “إسرائيل” ينتهك بشكل متكرر اتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي المدنيين في أوقات الحرب والاحتلال، فالمستوطنات، على سبيل المثال، تنتهك بشكل واضح المادة 49، التي تحظر على قوة الاحتلال نقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. ومع ذلك، انتشرت المستوطنات، حيث يعيش أكثر من 600 ألف مستوطن يهودي إسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، وتشمل الانتهاكات الأخرى الاعتقال الإداري والعقاب الجماعي والاستخدام غير المتناسب للقوة. وأشارت الدراسة أيضاً إلى الاعتراف المتزايد بأن “إسرائيل” تمارس التمييز المنهجي ضد الفلسطينيين من خلال سياسات وقوانين الفصل العنصري، حيث تصادر هذه القوانين الأراضي الفلسطينية وتمنح امتيازات لليهود الإسرائيليين، بينما تحرم اللاجئين الفلسطينيين من حقهم المشروع في العودة.
تعتبر مدة الاحتلال الإسرائيلي سبباً آخر لإعلان عدم شرعيته، حتى لو افترضنا جدلاً أن استخدام “إسرائيل” للقوة في عام 1967 كان دفاعاً مشروعاً عن النفس، فإن احتلالها المستمر للأراضي الفلسطينية منذ 56 عاماً يتجاوز بوضوح أي ضرورة عسكرية معقولة أو تناسب للدفاع عن النفس، كما تقول الدراسة. علاوة على ذلك، أبرمت “إسرائيل” اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، الطرفين الرئيسيين في الصراع، منذ عقود من الزمن، إلا أنها لا تزال تحتلّ الأراضي الفلسطينية على الرغم من مطالبات الأمم المتحدة المتكررة بالانسحاب. وقد قامت العديد من الدول العربية الأخرى بتطبيع العلاقات منذ ذلك الحين، مما أدى إلى تقويض رواية “إسرائيل” بشكل أكبر. إن هذه المدة الاستثنائية، التي تأتي بعد فترة طويلة من إزالة أي مبرر أمني، تنتهك بشكل قاطع الطابع المؤقت المتأصل في الاحتلال العسكري القانوني، وتظهر نيّة الضم غير القانونية. وذلك يقدم أدلة دامغة على أن الاحتلال الإسرائيلي يتجاوز أي ضرورة عسكرية مؤقتة، وقد تحول إلى مسعى ضم غير قانوني. إن الطبيعة الدائمة للاحتلال، على الرغم من الوقت المنقضي والفرص التاريخية للسلام، تكشفه كوسيلة غير قانونية لاستعمار الأراضي الفلسطينية، وليس احتلالاً عسكرياً قانونياً مؤقتاً.
وقالت الدراسة إن الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وانتهاكات حقوق الإنسان تجبر الدول الثالثة على فرض عواقب، بما في ذلك العقوبات، لوضع حدّ للاحتلال في النهاية. وتقول إنه يجب على الأمم المتحدة أن تبدأ على الفور في إنهاء الاستعمار الكامل لفلسطين وتقرير مصيرها، بدءاً بالانسحاب غير المشروط لجميع العسكريين والمستوطنين الإسرائيليين، ولا يمكن التفاوض على الانسحاب من أجل احتلال غير قانوني.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة حثّت على إنهاء الاحتلال، فإن الاعتماد على صيغ “الأرض مقابل السلام” المعيبة سيكون أيضاً غير قانوني إذا تمّ استخدامه لإجبار الفلسطينيين على التنازل عن حقوقهم غير القابلة للتصرف. إن إنهاء الاحتلال غير القانوني هو التزام مطلق وغير قابل للتفاوض، ولطالما طالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة بالانسحاب الإسرائيلي غير المشروط من الأراضي المحتلة. ومع ذلك، فإن الفشل في فرض العواقب قد مكّن من إدامة الاحتلال غير القانوني. وشدّدت الدراسة على أنه يجب على دول الطرف الثالث إنهاء هذا الاحتلال غير القانوني من خلال العقوبات وقطع العلاقات الدبلوماسية. وإذا فشل العالم في التحرك، فإن احتلال “إسرائيل” غير القانوني ومصادرة الأراضي والحقوق الفلسطينية سوف يصبح أمراً لا رجعة فيه، وهو ما من شأنه أن يعزّز الحرمان الدائم لحق الفلسطينيين في تقرير المصير.