دراساتصحيفة البعث

رسالة منتدى الشرق الاقتصادي للغرب

ريا خوري 

كان انعقاد منتدى الشرق الاقتصادي في دورته الثامنة في مدينة فلاديفوستوك الروسية، في أقصى الشرق الروسي، تحت شعار”على الطريق نحو التعاون والسلام والازدهار” خطوة مهمة في سعي روسيا إلى تعزيز علاقاتها وتقويتها مع دول منطقة آسيا والمحيط الهادي في ظل العقوبات الغربية الأمريكية – الأوروبية، والتي تجاوزت الـ 7000 عقوبة.

كانت جملة القضايا الهامة التي تم بحثها، في ظل الحضور الخاص والمميز للمشاركين من دول المحيط الهادي ومنطقة آسيا للتعاون، تأكيدا على فشل جميع المحاولات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول الغرب الأوروبي للضغط على روسيا، ومحاولة عزلها عن العالم، ليكون هذا المنتدى استكمالا للمنتديات الاقتصادية الأخرى التي نظمتها روسيا في عدد من المدن الروسية، مثل منتدى سانت بيترسبورغ، ومنتدى قازان اللذين شهدا حضوراً دولياً كبيراً.

لقد لعب منتدى الشرق الاقتصادي دوراً مهماً وبارزاً من خلال بحثه الآفاق المستقبلية للشراكة الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بين روسيا ودول منطقة آسيا والمحيط الهادي ومجموعة البريكس لمواجهة والتحديات والعوائق التي يواجهها العالم كتحديات الأمن الغذائي، حيث تعتبر منطقة آسيا أكثر أمناً لتصدير الحبوب والمواد الغذائية بعيداً عن مخاطر العقوبات، خصوصاً إنَ الشرق لا يخضع للعقوبات الأمريكية والأوروبية، حيث أبدت العديد من الدول رغبتها في شراء الحبوب الروسية، وتحديداً الهند والصين وغيرهما من الدول التي لا تلتزم بالعقوبات الغربية.

الجدير بالذكر أنَّ الحضور الصيني القوي في المنتدى الاقتصادي أفضى إلى التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية والاقتصادية بين روسيا والصين، والتي تعتبر استمراراً للتعاون الاقتصادي بين البلدين التي تربطهما علاقات وشراكة إستراتيجية، حيث تجاوز التبادل التجاري هذا العام 2023 نحو مائة وعشرون مليار دولار، وهدف تلك الاتفاقيات وتلك العقود هو فك الارتباط مع الغرب الأوروبي – الأمريكي، وتشكيل تكتل اقتصادي قوي  يهدف إلى تعزيز العلاقات المميزة بين البلدين اقتصادياً وسياسياً لتشكيل عالم متعدّد الأقطاب، وإنهاء الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية على العالم كقطب واحد، بخاصة وأنّ الغرب الأوروبي – الأمريكي يسعى إلى تكريسه لمواجهة الإشكاليات القائمة بين الشرق والغرب في ظل التحديات الكبيرة التي يشهدها العالم. وقد تضمنت الاتفاقيات الاقتصادية مساهمة الصين في بناء السكك الحديدية في روسيا لتحسين البنية التحتية، ولتسهيل مرور ونقل السلع والبضائع في منطقة الشرق الأقصى الروسي، كما شملت الاتفاقيات الموقعة بين البلدين الاستفادة من الخبرة الصينية في تصنيع الطاقة وعلى وجه الخصوص النفط  والغاز.

من هنا ينظر جميع المراقبين والمحللين السياسيين والاستراتيجيين إلى أهمية هذا المنتدى وانعقاده في ظل الظروف الساخنة دولياً، وهو بالدرجة الأولى رسالة للغرب الأمريكي – الأوروبي  بأن العالم يتجه نحو التعددية القطبية، ويضع حداً لعالم القطب الواحد الذي تستأثر به الولايات المتحدة الأمريكية . تلك الرسالة  أكّدتها جميع الوفود  المشاركة في المؤتمر  الذي حضره أيضاً عدد كبير من رجال الأعمال والاقتصاد من منطقة آسيا والمحيط الهادئ.