الحكومة أمام مهمة مستحيلة!!
علي عبود
نكتشف مع بداية جني كل محصول للحمضيات، أن الحكومات المتعاقبة أمام مهمة مستحيلة أخفقت على مدى ثلاثة عقود بتنفيذها، على الرغم من الوعود المعسولة، والخطط الورقية الوردية التي تتكرر عاما بعد عام!
نعم!! ما من حكومة نجحت بمهمة تسويق الحمضيات لا داخليا ولا خارجيا، بل أنها برفع مستلزمات الإنتاج وتخفيض القدرة الشرائية للعاملين بأجر، حرمت ملايين الأسر السورية من شراء بضع كيلوغرامات من الحمضيات في ذروة موسمها!
لقد شغلتنا وزارة الزراعة على مدى أكثر من الزمن بمشروع إقامة معمل للعصائر، مع إننا أكدنا، حينها، وبالأرقام أن لا هذا المعمل ولا معامل القطاع الخاص ستحل مشكلة مليون طن من الحمضيات، مهما بلغت طاقاتها الإنتاجية، وإن الحل الجذري بالتصدير!
والملفت أكثر أن الحكومة شغلتنا خلال الأعوام الثلاثة الماضية بخطة غير واقعية وهي تكليف “السورية للتجارة” بشراء محصول الحمضيات مباشرة من بساتين الفلاحين، لأن مستودعاتها غير قادرة على استيعاب المحصول من جهة، ولأن هذه الخطة لا تحل أزمة التصريف والتسويق من جهة أخري، بل تنقل المشكلة من الحقول إلى المستودعات!
والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة: هل تحولت عمليات تصدير الحمضيات إلى مهمة حكومية مستحيلة؟
ومع أن كميات المحصول تراجعت العام الماضي فإن الجهات الحكومية أخفقت أيضا بتصريفها، وكأنّ الأمر لا يعنيها، فلا أحد يُصدق أن الاتفاقيات التجارية مع الدول الصديقة لا تتيح تصريف أكثر من نصف مليون طن من الحمضيات!
لقد ”أشيع”، ما قبل عام 2011، أن شركات تركية كانت تشتري الحمضيات السورية وتقوم بفرزها وتشميعها وتصديرها بعلامات تجارية تركية، وهذا يعني أن عمليات التوضيب والفرز والتشميع لا تزال بدائية، لأن التجار غير مكترثين بالاستثمار فيها، فقد أدمنوا ”الشفط” لا الاستثمار!
أكثر من ذلك، لقد اكتشفنا خلال زياراتنا لعدد من الدول العربية أن الحكومات المتعاقبة كانت جميعها مقصرة بإيصال الحمضيات السورية إلى أسواقها، على الرغم من جودتها، بل إنها تحقق الشرط المطلوب من الدول التي تشترط خلو الفواكه من المبيدات الكيميائية، أي أن حمضياتنا مؤهلة للتصدير لأي دولة في العالم.
أليس ملفتا أن يجتمع ممثلو أربع وزارات (الزراعة والصناعة والتجارة الداخلية والإدارة المحلية) مع ممثلين عن اتحاد الفلاحين وغرف الزراعة ومحافظي طرطوس واللاذقية، للتنسيق فيما بينهم ”لتنظيم تسويق الحمضيات للأسواق المحلية الداخلية أو الخارجية أو التصنيع كونها تعد محصولاً استراتيجياً على مستوى المنطقة الساحلية بما يحقق عائداً اقتصادياً كبيراً للفلاحين مخففاً تكاليف الإنتاج ومشغلاً للقوى العاملة فيها”.
ماذا نستنتج من هذا الاجتماع الحكومي؟
الخلاصة الوحيدة أن ما من خطط ولا آليات فعالة لفتح أسواق دائمة للحمضيات السورية، ولا تبدأ الجهات الحكومية بها إلا مع اندلاع أزمة التسويق!
والملفت أكثر غياب وزارتي الاقتصاد والمالية عن هذا الاجتماع، مع أنهما المعنيتان مباشرة بتقديم الحوافز لمصدري الحمضيات، هذا إن كان هناك فعليا من تجار مهتمين بتصدير الحمضيات.
ومع أن وزير الزراعة تحدث عن ”وضع خطة تنفيذية لتسويق المحصول، وأن هناك دعماً كبيراً للسيارات الشاحنة التي ستقوم بتسويق المنتجات إلى دول الخليج والجوار لتصدير الحمضيات ذات السمعة الطيبة، إضافة إلى دعم مباشر للتسويق الخارجي”، إلاَّ انه لم يتحدث عن وجود عقود للمصدرين مع الأسواق الخارجية، في حين يؤكد التجار غياب المحفزات أو عدم كفايتها لتنافس مثيلاتها سواء في العراق أو الخليج.
لا يكفي أن تقوم الجهات الحكومية بوضع خطط لنقل الحمضيات (825 ألف طن) من البساتين إلى مخازن السورية للتجارة، أو إلى أسواق الهال فقط، بل يجب أن يكون لسورية أسواق دائمة لها في الدول العربية والصديقة تتيح تسويق ما لا يقل عن نصف مليون طن من الحمضيات، وهي مهمة لا تزال تعتبرها الحكومة مستحيلة، في حين هي مهمة سهلة لدول حمضياتها أقل جودة ومواصفات من الحمضيات السورية.
الخلاصة: لو اجتمعت الجهات الحكومية مع المصدرين أو التقت بسفراء الدول الصديقة في دمشق لاكتشفت الآليات والمحفزات المطلوبة لتسويق الحمضيات في الأسواق الخارجية بدلا من إشغال المنتجين بخطط ورقية ووعود غير قابلة للتنفيذ..!.