الشراكة الإستراتيجية مع الصين.. إيجابية لدعم الواقع الاقتصادي.. ومتطلبات تنتظر التنفيذ
دمشق – زينب محسن سلوم
لقد كانت زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى جمهورية الصين الشعبية، تأكيد للدور السوري كلاعب هام على الساحة الدولية رغم الحصار والضغوط الغربية المفروضة على الشعب السوري، والتي تطال جهاتنا العامة والخاصة، حيث بيّن المهندس رامي مالك بشور، معاون المدير العام للمؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي لـ”البعث” أن هذه الزيارة كُلّلت بتوقيع الرئيسين الأسد وشي جين بينغ، اتفاقية الشراكة الإستراتيجية، والتي تتحدى إرادة الدول الغربية في فرض إرادتها على سورية ودول العالم، وتعبّر عن إرادة الرئيسين في وصول البلدين إلى أعلى مستوى من التعاون في مختلف المجالات لتحقيق النمو والإزدهار.
وأكد المهندس بشور أن الاتفاقية عامل مهم في تسريع وصول استثمارات الشركات الصينية العملاقة إلى بلادنا، منوهاً بأن هذه الشراكة لتترجم على أرض الواقع عبر عقود استثمار وبناء، تحتاج إلى تذليل بعض الصعوبات التي تواجه الطرفين، وتهيئة الجو الاستثماري لكي تنعكس على واقعنا الاقتصادي والاستثماري بالشكل المطلوب.
ومن خلال تعامله مع الشركات والوفود الصينية ومشاركته في ورشات عمل معهم يرى معاون المدير العام أن وجود الإرادة السياسية الآن سوف يدفع الطرفين (الحكومة السورية والشركات الصينية العملاقة إلى تعاون أكثر جدية)، ولا سيما أن هناك مصالح متبادلة؛ فالحكومة السورية ترغب بدخول الاستثمارات من الدول الصديقة لتحريك الاقتصاد، وإيجاد موارد، وخلق فرص عمل جديدة ومتنوعة، كما ترغب بالاستفادة من موقعها الهام في دعم اقتصادها الوطني من خلال مرور خطوط التجارة الدولية عبر أراضيها، كما ترغب جمهورية الصين الشعبية بإمرار طرقها التجارية عبر دول لا تخضع للهيمنة الأمريكية بشكل أساسي، وتحويل الفائض لديها من العملات الأجنبية إلى استثمارات متنوعة في مختلف دول العالم، وهذا أمر حيوي بالنسبة للصين فهي بذلك تتخلص تدريجياً من ربط اقتصادها بالدولار الأمريكي من جهة، وتقلل أيضاً من اعتمادها على الخط التجاري البحري الذي يخضع في بعض المناطق الهامة للهيمنة الأمريكية، وبالتالي بالتخلص من أي احتمال لمحاولها حصار الصين أو قطع الإمدادات عنها من النفط والبضائع.
وأشار بشور خلال لقاءاته أساتذةً في جامعة بكين إلى أن “هناك حاجة ماسة للشركات الصينية المختصة في الاستثمار والبناء والتشييد ومد الطرق والسكك الحديدية لإيجاد قطاعات عمل مستمرة خارج الصين”. وبالتالي فإن حضورهم إلى سورية يحقق مصلحة متبادلة على المدى الاستراتيجي.
واعتبر بشور أن سورية هي “ورشة عمل مثمرة”، ولكنها بحاجة إلى تأسيس يضمن الإقلاع لها بشكل صحيح، وتأمين الأرضية اللازمة لدخول الاستثمارات الصينية المختلفة بشكل متسارع، ووفقاً لمعاون المدير العام يترتب على الطرف السوري لتحقيق ذلك: تهيئة “الإضبارة التنفيذية” لكل مشروع استراتيجي، بحيث نستطيع بموجب هذه الإضبارة التحدّث إلى أي مستثمر نرغب بالتعاقد معه بعد تضمينها الدراسات الهندسية اللازمة، ولو بشكل أولي، إضافةً إلى الدراسات الاقتصادية اللازمة، وما يرتبط بها من شروط فنية أو حقوقية أو مالية، ولكن هذه العملية تتطلب تمويل إجراء الدراسات.
وحثّ المهندس بشور على ضرورة تمكين الجهات العامة من إبرام “العقود بالتراضي” مع الشركات الاستثمارية التي تبدي استعدادها لتمويل وتنفيذ المشاريع، وإتاحة الاستثمار وفق نظام الـ”BOT”؛ لأنه يؤمن موارد للدولة دون تحميلها أية ديون، كما أن “التعاقد بالتراضي” عبر قانون العقد يسرّع بدخول الاستثمارات والنهوض بالاقتصاد، بعيداً عن الإجراءات الروتينية المعقدة.
أما من جهة الطرف الصيني فهناك عوامل موجودة على أرض الواقع تؤدي إلى تردد الشركات الصينية في الاستثمار بسورية، وفقاً لبشور، فقبل الدخول بأي مشروع تقوم الشركات الصينية بإجراء بحوث مختلفة حسب نوع كل مشروع حول الواقع والمناخ الاستثماري في البلد، مثل واقع النقل والطاقة ومستوى معيشة المواطن في البلد المستهدف، وهناك عوامل أخرى تحددها هذه الدراسات حسب الطبيعة الخاصة بكل مشروع، ولكي تقرر هذه الشركات الدخول في المشروع يجب أن تعطي هذه الدراسات مؤشرات إيجابية يمكن تحقيقها، وهنا تكمن صعوبة تتويج الإرادة السياسية لقادة البلدين إلى عمل على الأرض، موضحاً أنه يجب على الطرفين السوري والصيني التخطيط المشترك لإنجاح الاتفاقية عبر تأمين متطلبات دخول مشاريع مختلفة لا تتوفر الظروف المجدية لإنشائها حالياً، وذلك عبر تنفيذ مشاريع تأسيسية تؤمن متطلبات سلسلة أخرى من المشاريع، وعلى سبيل المثال يمكن أن نبدأ بمشاريع الطاقة أو استخراج النفط أو مشاريع النقل كأولوية، ومن ثم يتبعها مشاريع إقامة معامل أو أي مشاريع استثمارية أخرى؛ لأن المشاريع التأسيسية في البنية التحتية سوف تحسن من ظروف الاستثمار، وبهذا الشكل نكون قد قمنا بتجاوز مرحلة التأسيس بنجاح.