مجلة البعث الأسبوعية

قمة فيها الكثير من الرسائل

علي اليوسف 

ضمن تحرك لا يضع في حسبانه أي خطوط حمراء غربية، تقوم الصين بخطوات واثقة لتوسيع حضورها في سورية، وهي بذلك ربما ترسل رسائل إلى الإدارة الأميركية، والعالم الغربي عن انتهاء زمن المراعاة السياسية. صحيح أن الدبلوماسية الصينية – تاريخياً – هي دبلوماسية غير صداميه وهادئة، لكن هذا لم يمنع من إظهار موقفها المبدئي تجاه الشعب السوري في محنته السياسية والاقتصادية، وتمييز موقفها الواضح والصريح برفض الحرب الإرهابية على سورية، وإحباطها مع روسيا المحاولات الأمريكية الغربية لتمرير قرارات عبر مجلس الأمن، واستخدامها أكثر من مرة حق النقض إلى جانب روسيا لإفشال مشاريع قرارات كانت تهدف لإسقاط الدولة السورية.

على وقع هذه الدبلوماسية، وعلى وقع العلاقات السياسية بين البلدين التي لم تهتز على الإطلاق أمام رياح الأوضاع الدولية، جاءت زيارة الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى إلى الصين تتويجاً لهذه الدبلوماسية، بل أبعد من ذلك كسراً للحصار الذي أراد الغرب فرضه على الدولة السورية، ومنعها من البحث عن مخارج تليق بدولة صمدت في وجه أعتى الحروب غير التقليدية في التاريخ المعاصر.

كان رهان الصين على سورية هو رهان جيو سياسي، وقد ثبتت صحة هذا الرهان فالدولة السورية كانت وما زالت استثناءً أيديولوجياً على صعيد الشرق الأوسط من حيث شكل الخيارات الفكرية والأيديولوجية، إضافة إلى التنوع الحضاري للمجتمع السوري وتعدديته الثقافية والاجتماعية. ومن هذه الجزئية، تعتبر سورية رصيداً استراتيجياً للصين من زاوية ثقلها الجيو سياسي على صعيد الموقع الجغرافي والمكانة الحضارية، والدور الذي تؤديه في معادلات السياسة الشرق أوسطية. ولهذا السبب استند موقف الصين من الحرب على سورية – إضافة إلى اعتبارات الأيديولوجيا – لحفظ وتعزيز نفوذها في معادلة توازنات القوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً بعد أن باتت الصين أحد الأقطاب الرئيسة في العالم.

ولعل التطور الكبير تجاه سورية، واستقبال الرئيس بشار الأسد بهذه الحفاوة في بكين، لاشك أنه مؤشر كبير سيشكّل قفزة نوعية في العلاقات بين البلدين، وهذا ما يدلل عليه الثقل الزماني والمكاني للزيارة، بمعنى أنها زيارة مهمّة بتوقيتها وظروفها، بل حدثاً مفصلياً مهماً في تاريخ العلاقات الثنائية والتي توجت بالتوقيع على اتفاقية “التعاون الاستراتيجي السوري – الصيني”.

ولمن لا يعرف، إنه ليس مجرد توقيع على اتفاقية، بل هو مسار تاريخ بني عبر سنوات على أسس متينة من الثقة المتبادلة ليكون نموذجاً للعلاقات الدولية، وليضع اليوم حجر أساس جديد في الطريق لمستقبل واعد بتنمية الشعوب بأيدي أبنائها، واستثمار خيراتها لصالح ازدهارها، بعيداً عن الاستغلال الغربي والسرقة الممنهجة، والسطو الاقتصادي العالمي الذي تمارسه أمريكا وأوروبا.

وعليه إن زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين في هذه الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها سورية تكشف حجم الدور الصيني المرسوم تجاه الصديق القديم، والذي يمكن القياس عليه من خلال حفاوة الاستقبال وتوقيع الشراكة الإستراتيجية لتفتح آفاقاً جديدة في عملية التعاون والتشبيك، وللتخفيف من الآثار الكارثية للحرب الإرهابية التي أشعلتها أمريكا قبل 12 عاماً، وللإفادة من الموقع الاستراتيجي لسورية في قلب العالم كعقدة مواصلات تربط بين الغرب والشرق وبين الشمال والجنوب، والأهم – في المعطى السياسي- هو تحجيم الدور التخريبي الأمريكي في سورية، والتخفيف من تأثير العقوبات الغربية على سورية، ودعم عملية إعادة الإعمار.