ثقافةصحيفة البعث

الفنون مشروع وطني حضاري.. وزيرة الثقافة تكرم المشاركين في ملتقى حلب التشكيلي

حلب-غالية خوجة

ما زالت أرواح سكان هذا المكان، وعبْر الأزمنة، تفوح برائحة هذه الأرض، وكأنها تطل من نوافذ منارة حلب القديمة ـ مدرسة سيف الدولة، لتشاركنا الأجواء الاحتفالية لاختتام ملتقى حلب للفنون التشكيلية بمعرض للوحات الفنانين التشكيليين التي أنجزوها خلال أسبوع الملتقى، بمرافقة موسيقا منبعثة من آلات طلاب معهد صباح فخري بقيادة مدير المعهد ونقيب فرع حلب للفنانين المايسترو عبد الحليم حريري، بينما كرمت وزيرة الثقافة د.لبانة مشوح الفنانين المشاركين بحضور المهندس حسين دياب محافظ حلب، وشخصيات رسمية وثقافية وفنية، منها الفنان وسيم عبد الحميد مدير الفنون الجميلة بالوزارة، وشخصيات من كل من الأمانة السورية للتنمية، ومجلس المدينة، ومديرية التراث والمتاحف، ومديرية الثقافة، ورئيس وأعضاء فرع حلب لاتحاد الفنانين التشكيليين، والفنان بديع جحجاح ـ غاليري ألف نون، وعدد كبير من طلاب كلية ومعهد الفنون والكثير من عشاق الفنون والثقافة من مختلف الأجيال.

مشروع وطني

وعن هذا الملتقى خصت الوزيرة د. لبانة مشوح “البعث” بقولها: هذا المكان الحضاري المحاط بأزمنة عميقة منسابة بين أبناء حلب الشهباء الشرفاء الأوفياء يجعلنا سعداء ونحن نستمر مع حضارتنا ثقافياً وفنياً واجتماعياً ومستقبلياً.

وتابعت: هناك مشروع لوزارة الثقافة تنفذه مديرية الثقافة في كافة المحافظات المتضررة من الزلزال، فلقد تضرر الفنانون التشكيليون في جبلة وحلب أكثر من غيرهم، وارتأت مديرية الفنون الجميلة في الوزارة ومديرها الفنان وسيم عبد الحميد، أن يكون هناك ملتقى تشكيلي وشعاره “الفنون عتبة لتجاوز الآلام”، والوزارة تطور المشروع الثقافي الفني الوطني، وتكرم المشاركين في هذا الملتقى بمبلغ مالي وشهادة تقدير، وتقتني الأعمال، ثم تقيم معرضا مشتركاً من ممتلكات الوزارة، ومن الممكن المشاركة بما لا تمتلكه الوزارة، وهو متاح للبيع خارجياً، والناتج سيكون لصندوق دعم متضرري الزلزال، أي، سلسلة من الدعم متصلة.

أمّا عن الملائم من المشاريع للمثقفين، فأجابتني: نرجسية المثقف تجعل منه محوراً للكون في نظره، وهو مقدَّر جداً، ولكن لا نستطيع تلبية كل احتياجات المثقفين.

حوارات لونية لحكايات تتجاوز الألم

تنوعت مضامين وفنيات اللوحات المنجزة خلال مدة هذا الملتقى الذي أقيم بالتعاون بين الوزارة والأمانة السورية للتنمية واتحاد الفنانين التشكيليين ومجلس المدينة وغاليري ألف نون، فانحازت بعض الأعمال إلى التجريدية الممزوجة بالمتخيل أو الواقعي، والطبيعية الواقعية والحالمة والرمزية، والانطباعية السحرية، والدرامية المتألمة من الحرب والزلزال، والحوارات اللونية الصامتة والمنطوقة ضمن الكتلة والفراغ وانسجامات الدلالات، والبورتريه العاكس لشخصيات اختلفت حكاياتها لكنها اجتمعت على تجاوز رماد الماضي إلى بناء الذات والمجتمع والزمان والمكان بالمحبة والصبر والعمل.

التراث يلتقي بالثقافة والفن والمجتمع

وعن مكانية هذا الملتقى، قال مدير الآثار والمتاحف بحلب المهندس د.صخر علبي: المنارة أحد الدور التراثية التي رممتها محافظة حلب والأمانة السورية للتنمية، وكنت دارساً ومشرفاً على إعادة ترميمها، والجميل أنها تحتفي بالفعاليات الثقافية والفنية والاجتماعية ومنها هذا الملتقى.

وعن مشاركتها والتكريم، قالت التشكيلية لوسي مقصود: إعادة الحياة بعد إعادة الترميم، وعنوان الملتقى حفزنا على إعادة العمل من جديد، ولجمال المكان أثره على أنفسنا التي أصبحت من مراياهُ، وشعرتُ بحالة روحانية مع الناس القدامى الذين كانوا في هذه المنارة، كما تفاعلنا كفنانين من خلال تبادل الخبرات التقنية، فرسمت بورتريه لفتاة باللون الأزرق، والتكريم دافع آخر.

وبدوره، عبّر الفنان المشارك إبراهيم علي: الأدب والفن طليعة ثقافية، أرسم لوحات انطباعية واقعية سحرية، شغوف بألوان شغوف، وأحاول الابتعاد عن النمطية، ولفتة جميلة من وزارة الثقافة والجهات المشاركة في نهضة الفن والتكريم والمساهمة في التنمية المستدامة للذائقة على كافة الأصعدة.

وأخبرنا الفنان المشارك بشار برازي عن أهمية الملتقى، بقوله: حدث فني جميل جمعنا مع اختلاف تقنياتنا وطرائقنا الفنية، ولقد عملت على التعبيرية من خلال محور حلب، ولخصتها بلوحتين بعنوان “توديع الذكريات”.

ومن الجيل الشاب، عبّرت لاما حسين ـ طالبة كلية الفنون الجميلة، عن سعادتها بحضورها لهذا الملتقى، وأعجبتها لوحات الخيال المعبّرة عن كل فنان وعلاقته مع نفسه والطبيعة والأحلام.

ومن وراء الكواليس، قال بعض الفنانين: ملتقى حيوي، ونتوقع مشاركتنا به في الدورات القادمة.

هوية التراث الفنية وجمعية الحرفي السوري

سعيدة جداً بوجودي في هذا المكان الحضاري المحاط ببيئة الحديقة الجميلة، ويؤسفني أن أصحاب هذا المكان اضطروا لمغادرة المكان الذي كانوا فيه وخسروا ما خسروه في الحرب الإرهابية التي استهدفت كل شيء جميل.

بهذه الكلمات، صرّحت وزيرة الثقافة لـ “البعث” أثناء زيارتها لمقر جمعية المحترف السوري بالحديقة العامة، المهتمة بثقافة الفنون التراثية التشكيلية والحرفية بين رسم وخط ولوحات وأعمال فنية تحلق بأجنحة من زخرفة وألوان وخيوط تجمع النسج الفني على النول العمودي، والزخرفة الفسيفسائية واللونية وحرفة النسج بالخيط “مخرز” وأسياخ”، وتضيف إليها أعمالاً أخرى مزركشة بالنحاس، بينما تتضمن القاعة تراثاً آخر من الأعمال مع كتب وسكوك ومخطوطات وأدوات تحكي تأريخ الكتابة.

وتابعت مشوح: لكنهم، ولأنهم من هذا الوطن العريق، ومن أبناء حلب الشرفاء، أصروا على استمرار حضارتهم الثقافية الفنية التراثية والحداثية، لأن هدفهم ليس إحيائياً فقط، بل تكريس هذه الثقافة في الواقع والأذهان وطلاب المدارس والأطفال والشبان، والدريب على فنون التراث المادي واللا مادي، ويحافظون ويجددون بأعمالهم ومعروضاتهم متحدين الإرهاب.

وأضافت: أنا أكثر من سعيدة، لأنهم في هذه الجمعية، يحيون ويطورون التراث بطريقة تمزج بين أدوات الأصالة والحداثة، وفي هذا المكان تأريخ وأبحاث وثقافة ومهنة، إضافة إلى أنهم يروون حكاية الحرف والكلمة والتدوين الذي بدأ بصورة ثم بمقطع ثم بكلمة ثم بنص، وجعل الكلمة إرثاً والنص فناً وإرثاً وكنوزاً حضارية لا بد أن نحميها، كما أنهم انتقلوا إلى توريث هذه المهن الحرفية والفنون التراثية إلى الأجيال من خلال إقامة الورشات التعليمية التدريبية، لذا، أحييهم، وأتمنى أن تُقدم لهم من محافظة حلب ومجلس المدينة وكل المسؤولين كل الدعم المتاح لهم ولمبادرتهم التي أعتبرها ثروة وطنية لأنها تراث إرثي سوري حضاري عتيق وعريق، متمنية لهم كل التوفيق لأنهم معلمون وشيوخ كار ولديهم من الابتكارات الملفتة، وليتم تأهيل مركزهم لعودته قبلة للزائرين من سورية وأنحاء العالم مع عودة السياحة والازدهار.

وبدوره، أخبرنا رئيس مجلس إدارة جمعية المحترف السوري الفنان مصطفى نو بأن الجمعية حددت بوصلتها وهدفها التراث المادي واللا مادي ضمن اختيارات نوعية للحفاظ على هوية الذاكرة التراثية بكافة أبعادها وجذورها، ومنذ الحرب، ونحن في هذا المكان نستقطب المجتمع الأهلي من حرفيين نازحين من المدينة القديمة، والكشافات والأخويات، والجمعيات الأخرى، والمدارس، وواصلنا مشروعنا حتى أثناء القصف الإرهابي.

بينما روت الفنانة دونيز أكشر ـ أمينة سر الجمعية، حكاية الحرف في هذا المشروع الوطني، ومدنه التأريخية وكيف تطورت الكتابة وطرائق لفظها منذ 10000 سنة قبل الميلاد حتى الآن.

أمّا الفنان التشكيلي والمصور إيدار جودت ـ عضو الجمعية، فقال: حسب نهج القائد البشار بإعادة البناء والإعمار، كمحترف سوري، نهتم بهذا التراث ليستمر حياة يومية معتمدين على الحرفيين والشباب ونقوم بدورات تدريبية وتأهيلية مجانية.

وقالت التشكيلية تالين دراقجيان: أعمل على مشروع جديد ومختلف عن أبواب حلب وأنجزت باب الحديد والمقام نسرين والنيرب والأحمر وأنطاكية والفرج والنصر.

بينما أخبرتنا الفنانة رائدة زرز عن أشغالها اليدوية المتنوعة بين الإبرة والكروشيه والسياخ، ومنها الملابس والإكسسوارات والأغطية والزينة والمناسب للأثاث المنزلي.