حروب الولايات المتحدة الأمريكية الدائمة
عناية ناصر
يحتاج المجمع الصناعي العسكري إلى أعداء، والذي سيضحمل بدونهم، ففي نهاية الحرب العالمية الثانية، واجه مجمع القوى الهائل هذا أزمة، ولكن تم إنقاذه من خلال اكتشاف عدو جديد: الشيوعية. في نهاية الحرب الباردة، كانت هناك أزمة رهيبة أخرى للمؤسسة العسكرية ومصنعي الأسلحة ومؤيديهم في مجال الأبحاث والحكومة ووسائل الإعلام . لقد تحدث الناس عن “مكاسب السلام”، أي الاستخدام البناء لتريليونات الدولارات التي يهدرها العالم كل عام على التسلح. ورغم ذلك، تم إنقاذ المجمع الصناعي العسكري، في الوقت المناسب، من كابوس “مكاسب السلام” بعد هجمات 11 أيلول على نيويورك وواشنطن.
بغض النظر عن أن الهجمات كانت جرائم يُزعم أن أفراداً ارتكبوها وليست أعمال حرب، فقد كان من المناسب أن تتعامل القوات الشرطية مع تلك بدلاً من اتخاذ العمل العسكري . وسرعان ما أعلنت إدارة بوش (وشبكة سي إن إن وفوكس وغيرهما) أن حالة الحرب قائمة، وأن قواعد الحرب سارية المفعول، وتم استبدال الحرب الباردة بـ “الحرب على الإرهاب”. يمكن تفسير رد الفعل المبالغ فيه على أحداث 11 من أيلول 2001 إلى حد كبير في ضوء احتياجات المجمع الصناعي العسكري الذي حذر منه أيزنهاور. ولولا حالة الحرب والأعداء، لكان هذا التكتل الهائل من المنظمات وجماعات الضغط قد ضعف.
لو كان هدف “الحرب على الإرهاب” هو تخليص العالم من تهديد الإرهاب، لكانت أعمال مثل الاغتيالات غير القانونية باستخدام الطائرات بدون طيار قد أدت إلى نتائج عكسية، لأنها تخلق إرهابيين أكثر بكثير من الذين تدمرهم . ولكن بما أن الهدف الحقيقي هو خلق حالة من الحرب الدائمة، وبالتالي زيادة أرباح المجمع الصناعي العسكري، فإن مثل هذه الأساليب هي أفضل ما يمكن تصوره. كما أن أفعال مثل التبول على الجثث الأفغانية، أو حرق القرآن الكريم، أو الغارات القاتلة الليلية على منازل المدنيين، تساعد أيضاً في الترويج للهدف الحقيقي: الحرب الأبدية . وحتى الأحداث التي أدت إلى اندلاع “الحرب على الإرهاب” تبدو وكأنها أصبحت أسوأ مما كانت عليه لولا ذلك من أجل تقديم ذريعة أفضل لغزو العراق، ومهاجمة أفغانستان، وليبيا، وسورية.
هناك أدلة تشير إلى أن عدداً من المسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأمريكية كانوا على علم منذ نيسان 2001 بأن مركز التجارة العالمي قد يتعرض لهجوم قريباً. إن الشهادة التي أدلت بها سوزان لينداور، من وكالة المخابرات المركزية، كانت واضحة للغاية بشأن هذه النقطة. هناك أيضاً أدلة على أنه تم وضع شحنات من الثرمايت على الهياكل الفولاذية للعديد من المباني لإذابة الفولاذ وبالتالي ضمان الانهيار. تم العثور على الفولاذ المنصهر وآثار الثرمايت في الأنقاض قبل أن يتم إخفاءها عن التدقيق العام من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي.
أنتج المهندسون المعماريون والمهندسون من أجل البحث عن حقيقة أحداث الـ11 أيلول، وهي منظمة تضم أكثر من ألف من المهندسين المعماريين والمهندسين المعتمدين، فيلماً وثائقياً مدته ساعتان يشير إلى أدلة على أن انهيار مباني مركز التجارة العالمي كان بسبب عبوات ناسفة من الثرمايت، وليس بسبب إطلاق النار أو الطائرات. بالنسبة لأولئك الذين ينتمون إلى المجمع الصناعي العسكري، تعتبر الحرب الدائمة نعمة، ولكنها بالنسبة لغالبية شعوب العالم هي نقمة.
يسيطر المجمع الصناعي العسكري على كلا الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة، فالسياسيون، جمهوريون أو ديمقراطيون، هم عبيد المجمع الصناعي العسكري الذي يدعم حملاتهم وثرواتهم الشخصية بمبالغ طائلة من الأموال. فوفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أنفقت الولايات المتحدة 877 مليار دولار على “الدفاع” في عام 2022، أي ما يقرب من تريليون دولار.
على الرغم من أن حروب الولايات المتحدة الدائمة تجلب الموت والدمار لبقية العالم، إلا أنه من الغريب أن مواطني الولايات المتحدة لا يدركون التناقض بين الأخلاق والحرب.
إن فكرة “الانتقام النووي الشامل” غير مقبولة على الإطلاق من الناحية الأخلاقية، حيث أن عقيدة الانتقام على نطاق واسع لا تنتهك مبادئ اللياقة الإنسانية والحس السليم فحسب، بل إنها تنتهك أيضاً المبادئ الأخلاقية لكل دين رئيسي. من بعض العيوب الأخرى والمهمة في مفهوم الردع النووي هو أن الحرب النووية قد تحدث عن طريق الصدفة أو سوء التقدير إما بسبب عيوب فنية أو إخفاقات بشرية. وتتعزز هذه الاحتمالية بحقيقة أنه على الرغم من نهاية الحرب الباردة، فإن الآلاف من الصواريخ التي تحمل رؤوساً حربية نووية لا تزال في حالة تأهب قصوى مع زمن رد فعل شبه تلقائي يقاس بالدقائق. هناك خطر دائم من أن تندلع حرب نووية بسبب خطأ في تقييم الإشارة على شاشة الرادار. على سبيل المثال، ذكرت “هيئة الإذاعة البريطانية” مؤخراً أن مجموعة من العلماء والقادة العسكريين يشعرون بالقلق من أن دخول كويكب صغير وانفجاره في الغلاف الجوي للأرض يمكن أن يؤدي إلى حرب نووية إذا ظنوا خطأً أنه ضربة صاروخية.
أعرب عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة ، والعديد منهم لديه معرفة واسعة بنظام الردع، بعد أن كانوا جزءاً منه – عن قلقهم بشأن خطر نشوب حرب نووية عرضية، وفي هذا السياق أعرب كولن س. غراي عن قلقه على النحو التالي:”المشكلة، بل المشكلة الدائمة، هي أننا نرتكز مستقبلنا على نظام ردع نووي لا يمكننا أن نتسامح معه حتى مع حدوث خلل واحد”. لقد كتب الجنرال كورتيس إي. ليماي: “في رأيي .. إن الحرب العامة ستنمو من خلال سلسلة من الحسابات السياسية الخاطئة والحوادث وليس من خلال أي هجوم متعمد من قبل أي من الجانبين”.
وقد لاحظ بروس غي بلير ذلك بقوله:”من الواضح أن الطبيعة المتسرعة للعملية، من التحذير إلى القرار إلى الإجراء، تهدد بالتسبب في خطأ كارثي… هذا النظام عبارة عن حادث ينتظر حدوثه”. ومع ذلك، تخطط حكومة الولايات المتحدة لإنفاق 1.7 تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة من أجل “تحديث” الترسانة النووية للبلاد.
الحرب دائماً جنون، وغير أخلاقية دائماً، وتسبب دائماً معاناة لا توصف، وإهداراً اقتصادياً ودماراً واسع النطاق . إنها دائماً مصدر للفقر والكراهية والهمجية ودورات لا نهاية لها من الانتقام والانتقام المضاد. لقد أدى تطوير الأسلحة النووية الحرارية المدمرة بالكامل إلى وضع الحرب خارج حدود العقل والإنسانية الأولية، ولذلك يجب تخليص العالم من هذه الأسلحة المجنونة والمضادة للإنسان قبل أن يتحول كل شيء ذي قيمة في العالم الجميل إلى رماد مشع، كما يجب تخليص العالم من مؤسسة الحرب.