مراءاة إدارية!
حسن النابلسي
يصر رؤساء هرم بعض الوزارات والمؤسسات – وبشكل مستمر – على اجترار تعليمات وأوامر وصلت حداً من البداهة لدى أصغر موظفيهم لكثرة تكرارها أن يحفظوها عن ظهر قلب، وانغرست ليس في تلافيف أدمغة موظفي القطاع العام فحسب بل وبأدمغة من لا علاقة له بالوظيفة… كأن يصدر وزيراً أو مديراً ما قراراً برقم وتاريخ يحدد به ساعات الدوام أو يعمم على كافة المفاصل الإدارية بمنع تحرك السيارات – المحدد أصلا بقرارت مسبقة في كل دائرة – من المرآب إلا في أوقات معينة وغير ذلك من قرارات وكتب تنص على إجراءات لا تغني – في الغالب – ولا تسمن من جوع، ما يثير التساؤل إذا كان الهم الأساسي لرأس الهرم الإداري يقتصر على مراقبة وتنظيم دوام موظفيه وضبط شكليات العمل فماذا ترك لمعالجة جسام الأمور؟
أوَ لم يدرِ مُصدّر مثل هذه القرارات أن الشكل يعكس المضمون؟
أي إن كان ظاهر المؤسسة أو المديرية هو الفوضى والتسيّب وعدم الالتزام بأوقات الدوام فعلى المؤسسة أذا وإنتاجيتها السلام؟!!
لربما يقصد مصدري هذا السيل من القرارات والتعاميم إعطاء انطباع أن دوائرنا الحكومية بخير ولا يشوب نظامها أي شائبة، وأنهم يتابعون كل صغيرة وكبيرة في مفاصل إداراتهم، وحريصون كل الحرص على مصلحة العمل وحسن سيره، ومراعاة مصالح المراجعين، ولكن إذا ما ركزنا في هذه القرارات التي ترشم جدران اللوحات الإعلانية في أروقة المباني الحكومية، نجد أن نسبة كبيرة منها تعيد نفسها بقوالب لا تخلو من مزاجية مصدرها الذي يسعى لتلميع مؤسسته جاهلاً أو متجاهلاً التركيز على القضايا الجوهرية في مؤسسته، لتصبح عبارة عن مراءاة –بحسب بعض المراقبين – لعل الهدف منها التغطية على تقصير أو خلل ما، أو هي مجرد استعراض للفت انتباه القيادات الإدارية العليا وإقناعهم بكفاءته.
كما أن مثل هذه القرارات تعكس واقع سير المؤسسة، فأحياناً لا يكون هناك أي داع لإصدارها كونها معروفة بالأصل لجميع العاملين، وبالتالي فإن إصدارها بشكل مستمر لا يتعدى منطق المراءة غير المحببة، أو أن المؤسسة غير منضبطة أساساً، وفي هذه الحالة يجد المدير نفسه مضطرا لإثبات وجوده بين موظفيه!
أخيراً نعتقد أن من تشغله مثل هذه القرارات ويبالغ فيها ليس جديراً به أن يكون على رأس هرم مؤسسة حكومية، كون ما يصدره محسوماً ويحكمه القانون، والمبالغة فيها هي إضعاف للقانون، وإن كان لابد من إصدار مثل هذه القرارات لا ريب أن تكون مرة أو مرتين على مدار العام لا أن تصدر بشكل مستمر، لاسيما أن لكل قانون تعليماته التنفيذية التي توضحه تفاديا من عبث الآخرين وتحييده عن الاتجاه الصحيح.