اقتصادصحيفة البعث

“التكرار” لأجل الإبداع والتميز؟!

قسيم دحدل       

حصد طالب الدراسات العليا في جامعة حلب، المهندس حسام عيسى لطوف، الميدالية الذهبية في الدورة الـ 21 لمعرض الباسل للإبداع والاختراع للعام الحالي، وذلك لتصميمه وتنفيذه آلة لقطاف القطن توفر الجهد والوقت والمال.

المخترع لطوف لفت إلى أن الآلة توفر للمزارعين سهولة استخدامها، لأنه يتمّ تشغيلها من الجرار الزراعي، في حين أن آلات القطاف المستوردة تحتاج إلى شروط خاصة في الحقل كـ “المسافة الثابتة بين خطوط القطن”، لأنها تعمل بصورة ذاتية الحركة بأربعة أو ستة خطوط زراعية، وهذا ما لا يوافق واقع الزراعة في سورية.

وبالنسبة لتكلفة تصنيعها محلياً مقابل استيرادها، أوضح أن تكلفتها محلياً تقلّ بنسبة 88% عن المستورد، مشيراً إلى أنه يمكن الحصول عليها في حال الطلب خلال شهرين.

إلى هنا ينتهي الخبر الذي نودّ من خلاله تبيان أهمية النظام التعليمي القادر على اكتشاف المبدعين والمخترعين والعباقرة، ممن هم، في الواقع، أساس وعماد رأس المال الاستثماري الذي ينهض علمياً وعملياً ومعرفياً واقتصادياً بأي شعب وأية أمة.

وفي هذا السياق، تحضرنا قصة في غاية الأهمية، نظراً لما فيها من رسائل قيّمة جداً يحتاجها نظامنا التعليمي..

فحوى القصة أنه حين استولى هتلر على السلطة في ألمانيا، كان عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين في زيارة لأمريكا، وهناك أدرك أنه لن يعود إلى ألمانيا مرة أخرى، وخاصة بعد تفتيش منزله في برلين.

وحينها، تسابقت دول كثيرة لمنحه جنسيتها، بما في ذلك تركيا واليابان، في حين عرض عليه الكيان الصهيوني زعامة أول “دولة يهودية”، غـير أن أينشتاين، صاحب النظرية النسبية الشهيرة، رفض كلّ تلك العروض، وقبل عـرضاً متواضعاً للتدريس في معهد برينستون في ولاية نيوجرسي، رغـم أنه تلقى دعوات للتدريس في جامعات عريقة، مثل هارفارد وستانفورد وكامبريدج.

وفي معهد برينستون، نال حب الطلاب لسبب بديهي جداً، فقد كان يكرّر الأسئلة نفسها في امتحاناته دون تعديل أو تغـيير، وبهذه الطريقة ضمن الطلاب النجاح في مادته، الأمر الذي جعل مدير المعهد يتجرأ ذات يوم ويطالبه بتغيير الأسئلة بعد كل امتحان، غير أن أينشتاين رفض طلبه وأصرّ على تكرارها دون تغيير.

قـال المدير بصوت حائر: ولكن بهذه الطريقة سيقدّم الطلاب دائماً الأجوبة الصحيحة نفسها، فـقال أينشتاين: ومن قال إنني أبحث عن أجوبة صحيحة، أنا أبحث عن أجوبة مختلفة يقدمها عبقـري لم يكتشفه أحد حتى الآن.

هذا الرد المدّهش من أينشتاين يعلمنا أربعة أمور مهمّة، أولها: أن “الجواب الصحيح” لـيس مهماً بقدر “الجواب المختلف” الذي يدلّ على عبقرية صاحبه.

وثانيها: أن الجميع يمكنهم التفوق من خلال حفظ الأجوبة الصحيحة، ولكن القليل يستطيع “الإبداع” من خلال التفكير بطريقة مختلفة.

بينما ثالثها: أن ما ندعوه في مدارسنا بالجواب الصحيح، هو في الأغلب الجواب “المعتمد رسمياً” الذي يعبّر فقط عن رأي من ألّف المنهاج ويجهل في الأغلب وجود مصادر وأجوبة أخرى.

أما رابعها، فهو خطأ الادّعاء الشائع بأن العباقرة لم يكونوا متفوقين دراسياً، والصحيح هو أن النظام التعليمي فشل في اكتشافهم واستيعاب طريقة تفكيرهم، ولك أن تحسب كم طالباً عبقرياً فشل بسبب مخالفته للمنهاج أو للأجوبة المُقولبة التي يتوقعها المعلم من طلابه.

والسؤال الذي يُطرح في هذا الشأن: هل يجرؤ المعـلمون وأساتذة الجامعات على  تكرار أسئلتهم كما كان يفعل أينشتاين؟ فتكرار الأسئلة “الأكثر أهمية” يجبر الطلاب العاديين على حفظ أساسيات المادة “الأكثر أهمية”، وعليه فإن دورهم الحقيقي ليس في تصحيح الأجوبة المعروفة، بل البحث عـن الأجوبة المختلفة التي يُكتشف من خلالها العباقرة والمبدعون، ومن يستحق من طلابهم دخول قائمة المميزين والمبدعين والعظماء.

Qassim1965@gmail.com