الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

المرأة ربع إنسان ونصف مواطن برأي طوابير “الزلملك”!

غالية خوجة

عنوان المقالة يكشف عن طريقة تفكير ما زالت لدى البعض للأسف، واكتشفتها فجأة خلال وقوفي في الطوابير، سواء مع البطاقة الذكية من أجل الخبز، أو مع بطاقة الصراف الآلي لقبض الراتب، لأراه مشهداً يتكرّر في مناطق أخرى من مواقع الصرافات الآلية المزدحمة بحلب!

لم أتوقع يوماً أن أقف في طابور “الحرملك”، وأشاهد أحدهم منصّباً نفسه ولياً بأمر نفسه على الواقفين في الطابورَيْن، ليواصل إدخال البطاقات في الصراف مع ترديد كل حامل أو حاملة للبطاقة “الرقم السري” أمام الجميع!

وهذا الشخص الذي نصّب نفسه بحجة أنه متبرع لمن لا يعرف استعمال البطاقة، ولمن يعرف، لا يتزحزح من مكانه.. لا أعرف لماذا! ويصرخ عندما تقول له: من جعلك وصيّاً على الناس؟ ولماذا 4 ذكور مقابل امرأة؟ إنه دوري من فضلك، لكنه لا يكترث! ويجيب: اطلبي الشرطة!

ويتدخل ذكور آخرون ليقولوا للنساء المعترضات: أوليس لديكن أبناء أو أزواج ليقفوا ويستلموا رواتبكنّ؟ ويتحول المشهد إلى هرج ومرج أشبه بمساوئ باب الحارة!

والملفت أن الوصي منحاز لطابور “الزلملك” المنحازين مثله إلى جنسهم الفيزيقي، فيمرّر الدور لإثنين أو ثلاثة أو أربعة من الذكور مقابل دور للإناث. ولا يقف المشهد عند هذا الحدّ، بل قد يكون الذكور حاملين لعدة بطاقات أخرى، ومنهم ذاته الذي نصّب نفسه وصياً على المنتظرين، ولربما هم سماسرة يقبضون الرواتب لمن تخصّهم البطاقات بمقابل مادي، وكأنها مهنة من لا مهنة له!

والأشدّ بشاعة أن تمضي أكثر من ساعة منتظراً لكن الكهرباء تنقطع، والشبكة لا تعمل، فيذهب المضطر إلى منطقة صراف آلي آخر، ليمضي عمره في هذه المشاهد التي تبدو فيها أغلبية النساء مستكينات للأمر الواقع، فيسحب الوصي بالبطاقة المصرفية المؤنثة مرة واحدة السقف الأعلى لتنتظر حاملتها في “الحرملك” مجدداً، كي تسحب مراتها الأخرى، بينما البطاقة المصرفية المذكرة فتسحب عدة مرات سقفها الأعلى في دور واحد، ونادراً ما تسمع صوت إحداهن تدافع عن حقها في الدور، ليبدأ التلاسن غير الحميد، المصحوب بدعوات النساء على الذكور الظالمين لتطاردهم في قبورهم، لأنهم لم يحترموا أنفسهم والقيم الجميلة في العدالة والاحترام وتوزيع الدور، لدرجة أن المنتظر الواعي يحسب أن آلة الصراف مذكر، واحتلتها البطاقات المذكرة كما احتلها الوصي وطابور “الزلملك” بحجة أن أعدادهم أكبر من عدد الإناث، فتشعر بأن المرأة ربع إنسان ونصف مواطن، ولاسيما عندما يردّ بعض “الزلملك”: الرجال قوامون! فتجيبهم امرأة: ربما في بيوتكم، وليس أمام الصرافات الآلية أو الأفران.

والمشكلة الأخرى أن عدد الصرافات الآلية محدود، ومتوزع في مركز المدينة، وتنتظر التغذية، والكهرباء، والشبكة الإلكترونية، وللمنتظرة أن يكون حظها من ذهب كي تعمل كل هذه العوامل معاً، وأن تخضع لـ “الزلملك” ريثما يأتي دورها! وإذا أتى دورها تكون نقود الصراف قد نفدت، وعليها أن تعاود الحضور والوقوف في طابور “الحرملك” لعدة أيام أخرى!

الهرج والمرج من ظواهر التخلف التي باتت سائدة في حلب للأسف، سواء في وسائل المواصلات العامة، أو أمام أي طابور، والمشكلة ليست في الجنس الفيزيقي بقدر ما هي كامنة في العقل المجتمعي المنعكس في يومياتنا. لذلك، ما رأي المصارف أن تضيف صرافات آلية في كافة مناطق حلب؟ أو أن تتعاقد مع مصارف أخرى لتسيير أمور الناس وهو ما فعله العقاري مؤخراً؟ أو أن تخصّص مصارف لعائلات الشهداء، والعساكر، والإناث، والذكور؟ أو أن تخصّص موظفاً لكل صراف لإحكام عدالة الدور دون “حرملك” و”زلملك”؟