ثقافةصحيفة البعث

قراءة في شعر المرأة العاشقة في الأندلس

آصف ابراهيم

یعد المجتمع الأندلسي من المجتمعات التي تمتعت فیه المرأة بنصیب وافر من الحریة، وأسهمت في مجالات الحياة المختلفة، كما تشیر المصادر العديدة في ظل بیئة جدیدة لم ترتبط تقاليدها بأثقال وقيود ارتبطت بها بیئة المشرق .. واستطاعت أن تتجاوز الحدود الخانقة التي أحاطت بالمرأة العربية.

وقد أشار  الباحثون إلى كثرة عدد الشاعرات الأندلسيات نسبة إلى شاعرات المشرق، وجعله دلیلاً على أن نصیب المرأة الأندلسية من العلم والمعرفة والتحرك أكثر من نصیب أختها المشرقیة، حتى ظهر لديهن نشاطات نسائية أدبية كالمنتدیات الأدبية التي أقامتها بعض الشاعرات، ساهمت في صقل شخصيتها وتوسيع آفاق تفكیرها، وجعلها تحتل مكانة مرموقة  في مجتمعها .

والأدب من أبرز المجالات التي أسهمت المرأة الأندلسیة فیها، إذ امتطت صهوة الشعر وأطلقت العنان لنفسها تتوغل في طرقه، ناظمةً في معظم الأغراض الشعرية كالمدح والغزل والفخر والرثاء والهجاء والحنين إلى الوطن ووصف الطبیعة.

ولوحظ أن شعرها في أكثره مقطوعات لا ترقى إلى حجم القصیدة، مما یدل على قصر نفسها الشعري، وإن كان بعض الدارسین یرون أن (قصر النفس) شكلاً من أشكال الحداثة في البناء الشعري، وأثراً من آثار التطور في المجتمع الأندلسي.

معظم أشعار النساء قد فقدت، إذ تذكر المصادر إن لبعض الشاعرات شعراً كثيراً، وهذه مفارقة واضحة فما ترویه المصادر لا يتجاوز مقطوعات متناثرة في المصادر الأندلسية .

ومن أهم الشاعرات كانت لبنى، كاتبة الحاكم المستنصر، والشاعرة الغسّانية، وحفصة بنت حمدون الحجارية، وأمّ الكرام بنت المعتصم ابن صمادح، وغاية المنى، و اعتماد الرميكية زوجة المعتمد، وعائشة بنت قادم القرطبية، ومريم بنت أبي يعقوب الأنصاري، وأمّ العلاء بنت يوسف البربرية، وحمدة بنت زياد المؤدّب وأختها زينب، وقمر جارية إبراهيم اللخمي، وأنس القلوب، ومولاة أبي المطرف بن غلبون العروضية، ومهجة ومتعة القرطبيين، ونزهون الغرناطية، والعبّادية والدة المعتمد، وبثينة بنت المعتمد ابن عبّاد، وأم المنى، والأديبة الشلبية، وأسماء العامرية، و حفصة الركونية، والشاعرة الأميرة الشهيرة ولاّدة بنت المستكفي الأميرة الأندلسية  الأشهر بينهن وهي ولاّدة صاحبة ابن زيدون التي تقول:

ترقب إذا جنّ الليل زيارتي فإنّي رأيت الليل أكتم للسرّ

ولي منك ما لوكان بالشمس لم تلح وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر

كما أنّها إشتهرت ببيتين من الشعر قيل إنّها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها:

أنا واللّه أصلح للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها

وأمكّن عاشقي من صحن خدّي وأعطي قبلتي من يشتهيها

كما اشتهرت بينهن الشاعرة “حمدة أوحمدونة بنت زياد المؤدّب” التي كان يقال لها خنساء المغرب لقوّة شعرها، وسموّ إبداعها، ولها المقطوعتان المشهورتان اللتان مازال أهل البلاغة يجعلونهما مثلاً أعلى للنسج على منوالهما والحذو على حذوهما، تقول في المقطوعة الأولى:

ولمّا أبى الواشون إلاّ فراقنا وما لهم عندي وعندك من ثار

وشنّوا على أسماعنا كلّ غارة وقلّ حماتي عند ذاك و أنصاري

غزوتهم من مقلتيك وأدمعي ومن نفسي بالسيف و السّيل والنار

وتقول في المقطوعة الثانية:

وقانا لفحة الرمضاء واد سقاه مضاعف الغيث العميم

حللنا دوحه فحنا علينا حنوّ المرضعات على الفطيم

و أرشفنا على ظمأ زلالاً ألذّ من المدامة للنديم

يصدّ الشمس أنّى واجهتنا فيحجبها ويأذن للنّسيم

يروع حصاه حاشية العذارى فتلمس جانب العقد النظيم

حول هذا الموضوع كان نشاط اتحاد الكتاب العرب في حمص ليوم الثلاثاء، في محاضرة للدكتور أحمد دهمان أستاذ في جامعة البعث وناقد أدبي، حملت عنوان “قراءة في شعر المرأة الوامقة في الأندلس” ومعنى كلمة الوامقة، المحبة حباً صادقاً، والاستعاضة عن المعنى الرائج بكلمة مبهة هو نوع من الحذلقة الثقافية والاستعراض اللغوي بغية شد المتلقي واثارة فضوله.

بدأ الدكتور دهمان محاضرته بمقدمة عامة عن الغزل في الشعر العربي عموماً في مراحله المتعاقبة الجاهلي وصدر الإسلام والأموي والعباسي، حيث يمثل الغزل أكثر من نصف الإبداع الشعري العربي، وتعددت أنواعه بين العذري العفيف والحسي الفاحش .

 

وقد عهدنا في هذا النوع تغزل الرجل بالمرأة، لكن الجديد في الشعر الأندلسي هو تغزل المرأة بالرجل، وبروز شاعرات أندلسيات اتصفن بالجرأة وعدم الاحتشام كما يقول الدكتور دهمان، وهذا يعود إلى بيئة الأندلس التي اتسمت بالمجون واللهو والخمر والجواري، وهذه البيئة هي صورة متممة للبيئة العباسية، وقد تميز شعر المرأة الأندلسية العاشقة بالبلاغة والأسلوب التعبيري الرقيق والإيقاع الموسيقي والصورة الشعرية. ويتسم بالجرأة والصراحة على نحو لم يألفه الشعر المشرقي، يعود إلى أجواء الحرية التي شرعت أبوابها البيئة الأندلسية، التي أتاحت للمرأة حرية التعبير عن لواعج حبها وشوقها للحبيب، والتغني بجمال الطبيعة الساحرة.

قدم الدكتور دهمان العديد من الشواهد أمثال الشاعرة بثينة بنت المعتمد بن عباد، وعائشة بنت أحمد القرطبية، ولادة بنت المستكفي وغيرهن ممن سبقن وذكرتهم.