لكل من لا يزال لديه أفكاره الخاصة.. الحصار والعقوبات الغربية واحتلال الأرض وسرقة الموارد والسيطرة على طرق النقل.. عوامل أساسية لهجرة السوريين إلى الخارج
كارين لوكفيلد – ترجمة د. مازن المغربي
“في إطار مكافحة الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية عبر الحدود الوطنية، منعت وحدات الجيش نحو ألف سوري من عبور الحدود اللبنانية السورية بطريقة غير شرعية، في أيام مختلفة طيلة الأسبوع”.
يمكن قراءة الرسالة المختصرة على موقع الجيش اللبناني، بتاريخ 21 أيلول 2023. مرفقة بصورة مأخوذة من منظر علوي ويظهر فيها رجال يقفون في صفوف خلف بعضهم البعض، وكل منهم يضع ذراعه اليسرى على كتف الرجل الأيسر في الأمام. رؤوسهم محنية، وفي نهاية المجموعة هناك عدد قليل من النساء اللواتي يرتدين الحجاب الأبيض، ويتجمع حولهن حشد من الأطفال.
في الأسبوع السابق، قام الجيش بتفتيش العديد من مدن الصفيح للاجئين السوريين في سهل البقاع. وبحسب موقع القوات المسلحة اللبنانية، فقد تم اعتقال 43 سورياً لا يحملون وثائق، وجاءوا إلى لبنان بطريقة غير شرعية، وتم تقديمهم أمام القضاء. تم جمع المعلومات حول مكان وجود اللاجئين من قبل وحدات المخابرات المحلية، وتم تسليمها إلى الجيش.
وقبل أيام قليلة، كان الجيش قد اعتقل شخصين في طرابلس. وبحسب بيان الجيش، قام “المواطنان”، اللذان تم ذكر اسميهما فقط بـأحرف لإخفاء شخصيتهما، بتحضير ممر غير قانوني للسفينة عبر البحر. وللقيام بذلك، حصل الاثنان على قارب راسٍ في ميناء العبدة في مدينة طرابلس الساحلية شمال لبنان. وأثناء تفتيش منزل أحد الشخصين، تم إلقاء القبض على 48 سورياً كانوا يستعدون للقيام بالرحلة البحرية غير الشرعية. وتمت مصادرة القارب وتقديم الموقوفين أمام القضاء. وهنا أيضاً جاءت المعلومات من وحدات المخابرات الداخلية اللبنانية.
إن نظرة على الموقع الإلكتروني للجيش تفتح بعض النوافذ على الأحداث غير المؤكدة التي يتعين على لبنان التعامل معها بشكل يومي مثل الهجرة غير الشرعية، وتهريب الأشخاص، وتهريب البضائع والمخدرات، والحيازة غير القانونية للأسلحة، وعمليات إطلاق النار مثل تلك التي وقعت مؤخراً في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا الجنوبية. ويعمل الجيش والمخابرات المحلية معاً بشكل وثيق، ولدى القضاة الكثير للقيام به، كما إن السجون مكتظة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك انتهاكات للمجال الجوي اللبناني من قبل الطائرات العدوة “بدون طيار”، أو الطائرات المقاتلة التي تدخل لبنان وتحلق من الأراضي الفلسطينية المحتلة. يتم إبلاغ القائد الأعلى لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) عن كل حادث. وتتم متابعة الأحداث هناك ويتم الاتصال بإسرائيل. وتتجاهل إسرائيل، التي تعتبر من وجهة نظر لبنان “العدو” الذي يحتل بشكل غير قانوني الأراضي اللبنانية والفلسطينية، هذه الاتهامات. وقد تم إدراج هذه الحوادث في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بعد أن تم إبلاغه بما حدث.
لم يعد لدى الناس خيار
لم يختر لبنان هذه المشاكل، إذ إنه نتيجة عقود من تدخل الجهات الفاعلة، الدولية والإقليمية، التي قاتلت من أجل النفوذ والسلطة، وللسيطرة على مجالات اهتمامها، في الشرق الأدنى والأوسط، وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، لم يتغير شيء حتى يومنا هذا.
لم يكن أمام الناس خيار، لذلك لجأ الهاربون الأرمن من الإمبراطورية العثمانية، خلال الحرب العالمية الأولى، بالقرب من ميناء بيروت. وفي عام 1948، وما بعده، تبعهم الفلسطينيون الذين طردتهم الميليشيات اليهودية من وطنهم، والتي أسست بعد ذلك دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي وصفه الفلسطينيون بالنكبة. تتبعت إسرائيل، التي لم يكن التفاوض والحوار خياراً بالنسبة لها، الفلسطينيين، وحاربتهم حتى في مخيمات اللاجئين’ وزحف الجيش الإسرائيلي إلى بيروت، واحتل جنوب لبنان حتى عام 2000.
أحيت وفود فلسطينية ودولية في بيروت، يوم الجمعة الماضي (22 أيلول 2023)، مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينين، التي نفذتها ميليشيات الكتائب اللبنانية، في أيلول 1982، تحت أعين الجيش الإسرائيلي، في عهد الجنرال أرييل شارون. وانتقمت الميليشيات لاغتيال الرئيس اللبناني آنذاك بشير الجميل، وهو من الكتائب، على يد فلسطيني، وقتلت 1700 امرأة ورجل وطفل. وقد قام الجيش الإسرائيلي بتدريب وتسليح الكتائبيين، وساعدهم بالقنابل المضيئة ليلاً، حتى يكون هناك ما يكفي من الضوء لمواصلة القتل. ولم تتم معاقبة المسؤولين عن ذلك إطلاقاً، وأصبح شارون فيما بعد رئيساً لوزراء إسرائيل.
وما زال الهروب مستمراً حتى اليوم، فبعد الفلسطينيين، لجأ العراقيون إلى لبنان، بل وجاء الأكراد من تركيا. وأخيراً، وصل أيضاً اللاجئون السوريون، الذين استقبل وطنهم ملايين اللاجئين على مدار أجيال، حتى حرب عام 2011. واليوم، تم تسجيل أكثر من 800 ألف لاجئ سوري في لبنان لدى منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، وتفترض الحكومة اللبنانية أن هناك 1.5 مليون لاجئ سوري في البلاد. وزاد تدفق اللاجئين من سورية بشكل كبير مرة أخرى في الأسابيع والأشهر الأخيرة لأن تكاليف المعيشة تجاوزت قدرة الناس على التحمل. إن عواقب الحرب والعقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، والاحتلال الأمريكي والتركي لحقول النفط والقمح والقطن وبساتين الزيتون السورية، تسرقُ من البلاد الموارد اللازمة لإطعام الشعب وإعادة البناء. وهكذا يفر الآلاف عبر الحدود إلى لبنان، حيث لا يملك اللبنانيون، أنفسهم، ما يكفي من فرص العمل، وحيث لا توجد كهرباء وحيث القليل من الماء، وحيث يسود الجوع والتشرد، وحيث أصبح التعليم والصحة من الكماليات.
لبنان غير قادر على حل مشاكله الكثيرة
على مدى سنوات عديدة، ناشدت البلاد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لمساعدتها على إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. وقبل أيام قليلة، تحدث رئيس الحكومة المؤقتة نجيب ميقاتي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن الصعوبات التي يواجهها لبنان مع وجود أكثر من مليون لاجئ سوري. ويجري لبنان محادثات مع سورية ودول الجامعة العربية سعياً لإيجاد حلول لدعم العودة الطوعية للأشخاص. لكن الخيارات ضئيلة، خاصة وأن الجهات المانحة الرئيسية لمنظمات الإغاثة، وهي الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي، ترفض عودة السوريين إلى وطنهم. وبدلاً من ذلك، تضمن “القرار الخاص بلبنان”، الصادر عن البرلمان الأوروبي، في منتصف تموز 2023، العديد من الشروط التي يتعين على لبنان استيفاءها بهدف الحصول على المساعدة.
صراع البؤساء فيما بينهم
يتصادم الناس بشكل متزايد مع بعضهم البعض. إنه صراع البائسين ضد البائسين من أجل العمل، ومن أجل السكن، من أجل المزايا المالية، وعلى الصدقات. وفي نهاية آب، اندلعت احتجاجات ضد اللاجئين في مدينة بافوس في جمهورية قبرص. وقعت معارك، وتم تحطيم متاجر اللاجئين. وذكرت وسائل إعلام أن جماعات يمينية نظمت الاحتجاج. وقال سكان قبرص إن العدوان كان موجهاً في المقام الأول ضد اللاجئين الأفارقة الذين كانوا يعبرون الحدود الخضراء إلى جمهورية قبرص، عبر تركيا، والجزء الذي تحتله تركيا من شمال قبرص. بالإضافة إلى ذلك، هناك مئات اللاجئين من سورية، ومن الفلسطينيين واللبنانيين الذين يصلون عبر البحر الأبيض المتوسط في جنوب الجزيرة. ويتعرض اللاجئون السوريون للهجوم في تركيا، ويتم ترحيل بعضهم إلى مناطق سورية تسيطر عليها الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في الشمال والشمال الغربي.
وترجع مؤسسات الفكر والرأي الدولية التوترات إلى تغير المناخ، الذي أدى إلى جفاف التربة وسبب نقص الأمطار والثلوج ونقص المياه. إن “ارتفاع درجات الحرارة، يرفع التوترات.
صحيح أن تغير المناخ يساهم في التوترات الاقتصادية والاجتماعية، لكن السبب الرئيسي للوضع المتوتر في المنطقة هو السياسات الخاطئة التي ينتهجها الغرب منذ أكثر من 100 عام. فعلى الرغم من أن دول المنطقة أصبحت مستقلة، في العقد الخامس من القرن الماضي، عن الانتدابين البريطاني والفرنسي، إلا أن سلطات الانتداب السابقة والولايات المتحدة الأمريكية تدخلت بشكل متزايد في تنمية الدول في المنطقة.
وكانت النتيجة اندلاع أعمال الشغب والاضطرابات والصراعات المسلحة والحروب عندما قررت إحدى الحكومات، على سبيل المثال، تأميم موارد النفط الوطنية (إيران والعراق). ومنذ عام 2001، أصبحت المنطقة محور “الحرب على الإرهاب” التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تدمر البلاد والمجتمع، وتشجع على هروب الأشخاص وتهريب المخدرات والأسلحة، والتي تمتد كشبكة عبر الدول والشعوب بالكاد يمكن الوصول إليها.
سورية مجرد مثال
فمع تعرض وطنهم سورية للدمار بسبب الحرب والأزمات، حتى بعد مرور 12 عاماً على بدء الحرب ضد البلاد (2011)، لا يزال الناس يبحثون عن آفاق حياة جديدة لأنفسهم، ولكن بشكل خاص لأطفالهم. ويفر البعض من الخدمة العسكرية الإلزامية في سورية. ويبحث معظم الهاربين عن عمل وعن تأهيل وعن منزل آمن في الخارج القريب والبعيد من أجل تكوين أسرة وكسب ما يكفي لدعم الأهل في سورية. وهم يقومون، اعتماداً على إمكانياتهم المالية، بشراء ممر يسيطر عليه المهربون. يذهب الهاربون إلى لبنان بالحافلة أو بالطائرة من دمشق أو حلب. وهناك يمكنالحصول على تأشيرة دخول إلى دولة أوروبية من خلال وسطاء، وهم يفضلون ألمانيا. ثم يسافر المرء بالطائرة، ربما بصحبة أطفال، إلى بروكسل أو فرانكفورت أو برلين أو ستوكهولم ليتم تهريبه دون حاجة إلى إجراءات اللجوء. وتصل التكاليف إلى قرابة 20000 يورو.
إذا لم يكن لديك الكثير من المال، فيمكنك شراء مكان على أحد القوارب غير الصالحة للإبحار للانتقال من طرابلس (شمال لبنان) عبر البحر الأبيض المتوسط إلى جمهورية قبرص أو إلى جزيرة يونانية أو إلى إيطاليا.
وحاول شخص ركوب طائرة من دبي إلى بيلاروسيا ليتم تهريبه عبر الحدود الخضراء إلى بولندا ومنها إلى ألمانيا وهناك انتظر شقيقه في أحد فنادق مينسك لأكثر من 14 يوماً حتى تمت إعادته، كما قال شخص، وهو سائق ينقل الركاب بين بيروت ودمشق، إنه طلب من شقيقه عدم الإقدام على ذلك، لكن شقيقه لم يعبأ وتكلف مبلغ 6000 دولار، وأردف: “ما الذي كان بإمكاننا أن نفعل بالمال هنا في سورية!”.
كما يستقل البعض حافلة أو يسلكون طريق التهريب أو الطائرة إلى أربيل، عاصمة “منطقة الحكم الذاتي الكردية” في شمال العراق. ومن هناك يحاولون الوصول إلى أوروبا. وإلى أن ينجح ذلك، يضطرون للعمل بحيث يمكنهم المساعدة في تمويل هجرتهم. وربما يكون أولئك الذين سعوا إلى الأردن، ووجدوا ملجأ لهم خلال الحرب، قد سافروا إلى مصر ومنها إلى ليبيا لمحاولة العبور إلى إيطاليا على متن أحد القوارب غير القانونية العديدة. والآن سيكون الكثير من هؤلاء الأشخاص قد ماتوا في الفيضان المدمر وسيضيع أثرهم ولن تعرف عائلاتهم أبداً ما حدث.
أمل في غير محله
يداعب الأمل كل من ينجو من العبور من لبنان إلى جمهورية قبرص على متن قارب إذ إن جمهورية قبرص عضو في الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن تكون الجزيرة فرصة للناس للهروب إلى البلدان الأوروبية الأساسية.
بلغ عدد سكان جمهورية قبرص رسمياً حوالي 1.24 مليون نسمة. وقد ارتفع عدد اللاجئين الذين يطلبون اللجوء إلى أكثر من 93,000 منذ عام 2002. وهذا يجعل جمهورية قبرص الدولة الأوروبية التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين مقارنة بعدد شعبها. وبما أن البلاد لم تعد قادرة على تلبية متطلبات رعاية اللاجئين، تريد قبرص ترحيل أولئك الذين ليس لديهم احتمال للحصول على وضع الإقامة. ويؤثر هذا بشكل خاص على أولئك الذين نجوا من الرحلة الخطيرة عبر شرق البحر الأبيض المتوسط من لبنان.
لكن أينما ذهب الفارون من سورية، فإنهم يواجهون نفس المشاكل، وعليهم جمع الأموال للمهربين وللحصول على الإقامة. إنهم بحاجة إلى المال للحصول على تأشيرة، والمال لتمويل مكان على متن قارب عبر البحر الأبيض المتوسط أو في أي وسيلة نقل أخرى، قانونية أو غير قانونية. و من المهم التغلب على الحدود والرسوم الجمركية ونقاط التفتيش والمحطات التابعة للشرطة باستخدام الرشوة. أما إذا مرض الهارب ، فسينتهي على قارعة الطريق أو في مخيم، في سكن غير قانوني، أو يتشرد في الشارع.
الاستيلاء على الأراضي واحتلالها
وحكومات الاتحاد الأوروبي ومفوضية الاتحاد الأوروبي تنبه وتحذر. تتدخل منظمات الإغاثة وتجمع الأموال للمساعدة. وتقدم وسائل الإعلام وما يسمى بالمنظمات غير الحكومية صورة لحالة الفقر لدى الأشخاص الفارين. أصبحت منظمات المساعدة الحكومية أو الصناديق المالية المدعومة من الغرب تنشط في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات التي من المفترض أن تتلقى الدعم السياسي والاقتصادي، فيحين تحرم سورية من الدعم.
فعلى سبيل المثال، تقوم منظمة إغاثة من قطر ببناء مستوطنات ومستشفيات ومدارس جديدة على طول الحدود السورية التركية، التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام التابعة لتنظيم القاعدة، وتركيا والجماعات المسلحة الموالية لتركيا.
وأعلنت “قطر الخيرية”، مطلع أيلول الماضي، عن وضع حجر الأساس لبناء مدينة جديدة قرب مدينة الباب شمال حلب. و”الكرامة” هو اسم المدينة التي سيتم تمويلها بأموال من “المحسنين” من إمارة قطر، بحسب بيان لـ “قطر الخيرية”. وسيتم البناء بالتعاون مع محافظة غازي عينتاب التركية، وستصبح المدينة موطناً جديداً لـ 8500 نازح سوري ضمن البلاد. وفي إحدى الفعاليات، تم جمع 33 مليون ريـال قطري خلال 3 ساعات، أي ما يعادل حوالي 9.4 مليون يورو. وسبق أن قامت “قطر الخيرية” ببناء مدينة الأمل شمالي سورية، حيث تم توطين أكثر من 8800 نازح.
وتقع مدينة الباب في الأراضي السورية. ولا يوجد اتفاق معروف مع الحكومة السورية. وبهذه الطريقة، يتم فعلياً بناء جدار من المستوطنات الخاضعة للسيطرة الأجنبية بين سورية وتركيا، على الأراضي السورية. وهذا النوع من “الإحسان” يقسم سورية وشعبها، كما يفعل احتلال القوات الأمريكية لموارد سورية من النفط والقطن والقمح. تُسلب أراضي سورية وموادها الأولية، ويجري تقسيم السكان. وبعد الحرب وعواقبها، فإن هذا النوع من الاستيلاء على الأراضي واحتلالها هو بداية دوامة الهروب والطرد البائسة.
إن الامتثال للقانون الدولي واحترام سيادة الدولة والسلامة الإقليمية للدولة السورية من شأنه أن يوقف ذلك. وهذا ما جاء أيضاً في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي لم يتم تنفيذه بعد. ومن شأن المفاوضات أن تحل محل الاحتلال والاستيلاء على الأراضي. فبدلاً من العقوبات سيكون هناك دعم سياسي ومالي.
لكن هذا غير مرغوب به سياسياً من قبل الجهات الفاعلة المعنية، لأنها ستفقد نفوذها. ولذلك تستجدي منظمات الإغاثة الأموال حتى تتمكن من تمويل المساعدة. ويفرض المانحون الرئيسيون للمساعدات الإنسانية لسورية، أي الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي، شروطاً للحصول على تبرعاتهم المالية فيما يتعلق بكيفية استخدام الأموال ولأي غرض. فهناك أموال للمناطق التي يسيطر عليها معارضو الحكومة ولللاجئين في المخيمات في تركيا ولبنان والأردن، ولكن ليس لأولئك الذين يريدون العودة إلى وطنهم السوري. ولن تنتهي حركة اللاجئين على هذا النحو في حين أن الحياة في سورية متوقفة.
فخ شبكة المصالح الجيوسياسية
لم تشهد أي منطقة في العالم هذا العدد الكبير من اللاجئين لفترة طويلة مثل منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. طُرد الأرمن والآشوريون في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وطرد الأكراد منذ العقد الرابع من القرن الماضي، وطرد الفلسطينيون منذ عام 1948، وتم تهجير اللبنانيين خلال الحربين الأهليتين في الأعوام 1958 و1975 – 1990، وطرد العراقيون في حرب الخليج أعوام 1980 و1988، و1990/ 91 و2003 حتى الآن، وطرد الليبيون في عام 2011؛ وطرد السوريون منذ 2011/2012؛ وطرد اليمنيون منذ عام 2016. وهناك أيضاً لاجئون من أفغانستان وإفريقيا تقطعت بهم السبل في بلد أو آخر بين باكستان والبحر الأبيض المتوسط، أو في شمال إفريقيا أو دول جنوب أوروبا.
ينتهي الأمر بالفارين بحثاً عن آفاق جديدة بالوقوع في شبكة من المهربين ومن الحدود، حيث غالباً ما تكون المخيمات التي يتم فيها توزيع الصدقات هي الوجهة النهائية. وفوق ذلك، تكمن شبكة من المصالح للجهات الإقليمية الحكومية وغير الحكومية، التي لا تهتم بالناس، بل بالأرض والمواد الخام، وبالسيطرة على طرق النقل. هناك شبكة من الحروب ونتائج هذه الحروب تدمر الدول وسبل عيش الناس الذين يعيشون هناك. وتوفر هذه الحروب الربح للمجمع الصناعي العسكري الذي يتكون من الصناعة الدفاعية والعسكرية والسياسة بهدف ضمان المزيد من تراكم القوة والربح. ويجب أن تخضع الأطراف والحكومات والصناعة والتجارة والعلوم والأبحاث والتعليم والإعلام وحتى القانون الدولي لهذا الهدف.
فالناس الذين تدمر بلدانهم بسبب هذا كثيرون، ويتوفون بشكل مبكر، إذ يموتون في الحروب، ونتيجة الحروب. ويمرضون ويجوعون. كما يموتون في معارك مع الآخرين الذين يريدون حماية بلادهم وحياتهم من الدمار أو يريدون الخروج من الشبكة بأنفسهم. يموتون هاربين، في مخيم أو في البحر الأبيض المتوسط.