اختيار القيادات الإدارية ما زال يعاني من الخلل! نحتاج لعناية مشددة حتى نصل إلى مؤسسات متطورة رشيقة إدارياً!
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
من جديد عادت الحكومة لتشدد على “التدقيق في اختيار القيادات الإدارية على أسس موضوعية تتعلق بالكفاءة والنزاهة والشفافية والابتعاد عن أي مقاربات لا تصب في سياق تمكين البنية الإدارية والوظيفية للجهات العامة”.
ما ورد كان ضمن الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء التي عقدت في الـ 26 من شهر آب الفائت.
نظرياً هذا الكلام جميل وكلنا نتمناه أن يصبح حقيقة على أرض الواقع، فهو يجعلنا نشعر بالتفاؤل بقرب وصولنا إلى مؤسسات عصرية قمة في الأداء الإداري المرن والرشيق والمبدع وتحقيق جودة عالية بالإنتاج، لكن مجرد نظرة خاطفة لواقعنا الإداري الحالي القائم في عديد المؤسسات على اختلاف مجالاتها تُشعرنا بالأسى!، فمعايير وأسس القائد الإداري الناجح التي تتحدث عنها الحكومة غير متوفرة عند بعض المديرين القائمين على رأس عملهم، أقلها ما يتعلق بافتقادهم للخبرة الإدارية، فكيف إذا علمنا أن هناك مدراء يقودون مؤسسات لا تمت لاختصاصهم العلمي بصلة؟!.
بالتأكيد لا نجافي الحقيقة عندما نقول أننا لغاية اليوم لم ننجح في اختيار القادة الإداريين الناجحين إلا ما ندر، والسبب بلا شك هو في الإجراءات الخاصة في تقييم المرشحين للمناصب الإدارية، وما تشديد الحكومة على”الابتعاد عن أي مقاربات لا تصب في سياق تمكين البنية الإدارية والوظيفية للجهات العامةعند اختيار القادة الإداريين” إلا دليلاً على استمرار هذا الخرق الذي لا نريد أن يستمر، فعملية أو آلية اختيار القادة الإداريين غاية في الدقة وتتطلب عناية مشددة بالغة حتى نصل إلى مؤسسات مبدعة إدارياً رابحة إنتاجياً .
شخصي وليس موضوعي!
خبير إداري علّق على تشديد الحكومة لجهة التدقيق في اختيار القيادات الإدارية بقوله “ليس بجديد”لكنه اعتبر أنه من الضروري التذكير والتأكيد عليه من وقت لآخر، لكن بشرط أن يتم على أصوله، مبدياً أسفه على عدم التقيد بالضوابط والشروط عند اختيار القيادات الإدارية، فبحسب رأيه ما زال الاختيار في أغلب الأحيان لا يتم على أساس موضوعي وإنما شخصي، مؤكداً على أهمية الدرجة العلمية والتخصص للقيادات الإدارية مع توفر الخبرة الطويلة حتى تتمكن من أداء دورها بمهنية عالية،وتحقيق الهدف المرجو.
وتساءل الخبير الإداري: طالما مشروع الإصلاح الإداري الذي أعدته وزارة التنمية الإدارية يهدف إلى خلق منهجية إدارية واحدة ومتجانسة لكل الوزارات، أين مركز القياس والدعم الإداري، وأين مرصد الأداء الإداري الذي من مهامه متابعة تطبيق المؤسسات للمعايير والأسس؟!، مضيفاً: علينا أولاً أن نؤسس للبنية التحتية اللازمة للتطوير الإداري وبعدها يحق لنا أن نتحدث ونشدد في اختيار القيادات الإدارية على أسس موضوعية تتعلق بالكفاءة والنزاهة والشفافية بحسب ما وجهت الحكومة.
غير كافية!
وبسؤال لطلبة قسم إدارة الأعمال في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق بخصوص المعايير المطبقة حالياً لاختيار القيادات الإدارية كان القاسم المشترك لإجاباتهم أنها “غير كافية وتحتاج إلى تجديد وتعديل في بنودها كي تناسب متطلبات الإدارة الرشيقة التي تقوم عليها المؤسسات الكبيرة والصغيرة”.
غير قابلة للخرق!
وكان اللافت في أجوبة الطلبة هو المطالبة بلجان علياخبيرة ومختصة باختيار المرشحين للمناصب الإدارية وفق معايير وأسس عادلة غير قابلة للخرق، وبرأيهم هذا لو تم على أصوله سيساعد، بل يُسهم بشكل كبير في نجاح مشروع الإصلاح الإداري والوصول إلى هدفه المنشودفي تأسيس”لبّنة أساسية في عملية النهوض الشامل في الأداء الإداري والعمل المؤسساتي للوزارات والهيئات والمؤسسات العامة في المرحلة القادمة ومكافحة الخلل الإداري بكل جوانبه”، وتساءل البعض من الطلبة: أين خريجي “المعهد العالي لإدارة الأعمال – هبا” الذين تم تأهيلهم ليكون قادة الإصلاح الإداري المنشود؟، وإذا لم نستثمر خبراتهم ما مبرر استمرار تخريج المئات منهم في المعهد المذكور؟!.
قصور إداري
وعلى ذكر سيرة الخريجين في معهد -هبا- نذكّر أن بعض الخريجين فيه طالبوا أكثر من مرة بمعالجة القصور الإداري في العديد من المؤسسات المؤسسات، والتركيز على التأهيل والتدريب المستمر للقيادات الإدارية على اختلاف مستوياتها، مشيرين إلى أن تأهيلهم المهني العالي لم يشفع لهم بتبوء مراكز إدارية كما كان يُخطط على الورق!، إذ تم وضع بعضهم تحت إمرة من هم أقل منهم كفاءة ومقدرة بعلوم الإدارة المختلفة، أو الخبرة الإدارية، وذلك بسبب العشوائية في التعيين!.
أزمة إدارة!
الخبير في الإدارة عبد الرحمن تيشوري أشار بدوره أكثر من مرة إلى أن “معظم أزماتنا في سورية هي أزمات إدارة بالدرجة الأولى، ومسؤوليات القادة والمديرون في الوقت الراهن هي أعظم وأكبر مما سبق”، مطالباً وزارة التنمية بالعمل الجاد على جذب جميع الخبراء الإداريين وتوظيف خبراتهم بالشكل الأنسب، ودعوتهم لفهم التغيير والإصلاح الإداري الذي نحتاجه كثيراً في هذه المرحلة الصعبة.
سوء استخدام!
وفي الحديث مع العديد من المواطنين والموظفين منهم على وجه التحديد شكا البعض منهم من ظلم إداراتهم لهم، وأشاروا بالوقائع إلى سوء استخدام سلطتهم الإدارية لخدمة مصالحهم الشخصية قبل مصلحة المؤسسة، كما أشاروا إلى وجود العديد من هذه النماذج الإدارية التي وصلت بطرق ملتوية وليس على أساس الكفاءة والمقدرة!.
وقال آخرون: متى انعدمت الأخلاق المهنية عمّ الفساد الإداري، ومتى كانت التشريعات والأنظمة القانونية غير رادعة استمر الفساد الإداري والمالي، وأكدوا أيضاً أنه حتى الآن لا يوجد محاسبة ومساءلة جدّية للمتورطين بالفساد الإداري والمالي رغم ما نسمعه من تأكيدات بهذا الشأن، مما جعل البيئة مواتية لاستمرار الفساد!.
القرار الجريء
بالمختصر، نحتاج اليوم إلى توجهات إدارية حديثة تلبي احتياجات المرحلة، أولها أن نعرف كيف نستثمر الكفاءات والخبرات الإدارية، فهي الحامل والداعم الأساسي للنمو، بمعنى أن تنمية الكفاءات وتأهيلها والمحافظة عليها وحسن اختيارهاوتوظيفها هو الأساس في التنمية، ومعلوم بعد موجة الهجرة الكبيرة للكفاءات السورية أصبح وجودها قليلاً في البلد، ونخشى أن تصبح كالعملة النادرة إذا ما استمر تهميشها!.
أن مؤسساتنا بأمس الحاجة اليوم لكفاءات وخبرات إدارية مبدعة يملكون روح المبادرة والقدرة على إبداع الحلول للمشكلات العالقة واتخاذ القرار الجريء!.