شاهد من الاستخبارات الأمريكية يفضح الوجه السري للوكالة وبرامج التعذيب المتبعة لديها
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
نشر موقع “شير بوست” في مقال مطول يتعلق برواية ضابط جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية جون كيرياكو- الوحيد الذي تم سجنه بسبب معارضته لبرنامج التعذيب- مفجراً بذلك فضيحة سجون التعذيب الممنهج لمعتقلي غوانتانامو، وكاشفاً عن الوجه السري والقاتم لجهاز الـ “”سي أي أي”.
أشار كيرياكو إلى أنه عندما انضم إلى وكالة الاستخبارات المركزية في كانون الثاني 1990، فعل ذلك خدمةً لبلده، معتقداً حينها أن بلاده تشكل محور “الأخيار”، وأنها كانت قوة من أجل الخير في جميع أنحاء العالم.
وأضاف، أنه بعد سبع سنوات من انضمامه إلى الوكالة، انتقل إلى عمليات مكافحة الإرهاب للمساعدة في الحفاظ على سلامة أرواح الأمريكيين، مشيراً إلى أن عالمه على غرار كافة الأميركيين، تغير بشكل جذري بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، لذا فقد توجه في غضون أشهر من وقوع الهجمات إلى باكستان كرئيس لعمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية في باكستان.
وعلى الفور تقريباً، بدأ فريقيه في إلقاء القبض على مقاتلي “القاعدة” في مخابئهم في جميع أنحاء باكستان، وفي أواخر آذار 2002، حقق الفريق الفوز بالجائزة الكبرى عندما ألقي القبض على أبو زبيدة وعشرات من المقاتلين الآخرين، بما في ذلك اثنان كانا يقودان معسكرات تدريب “القاعدة” في جنوب أفغانستان بحسب زعمهم.
وبحلول نهاية الشهر، أخبره زملائه الباكستانيون أن السجن المحلي، حيث تم احتجاز الرجال الذين تم القبض عليهم مؤقتاً، أصبح ممتلئاً، وكان لا بد من نقلهم إلى مكان ما، حيث اتصل بمركز مكافحة الإرهاب التابع للوكالة وأخبرهم إن الباكستانيين يريدون إخراج السجناء من سجونهم، متسائلاً إلى أين يجب إرسالهم؟
كان الرد سريعاً بإرسالهم على متن طائرة إلى “غوانتانامو في كوبا، الأمر الذي جعله يتسأل “لماذا بحق السماء نرسلهم إلى كوبا؟” فأوضح له محاوره ما بدا في ذلك الوقت وكأنه مدروس جيداً، قائلاً: “سنحتجزهم في القاعدة الأمريكية في غوانتانامو لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع حتى نتمكن من تحديد المحكمة الفيدرالية التي سيحاكمون فيها”.
وأضاف كيرياكو بالنسبة له، كان ذلك منطقياً، حيث سيُظهر للعالم مع زملائه كيف تبدو سيادة القانون، فهؤلاء الرجال، الذين قتلوا 3000 شخص في ذلك اليوم الفظيع، سيحاكمون على جرائمهم، إلى ذلك اتصل بجهة الاتصال في القوات الجوية الأمريكية، وقام بالترتيبات اللازمة للرحلات الجوية، ثم قام بتحميل السجناء المقيدين والأصفاد للرحلة.
كما أوضح، أن المشكلة تكمن في أنه لم يكن في نية قادة الولايات المتحدة، سواء كانوا في البيت الأبيض، أو وزارة العدل، أو وكالة الاستخبارات المركزية، عرض أي من هؤلاء الرجال المحاكمة في محكمة قانونية، حيث تتم محاكمتهم من قبل هيئة محلفين.
بعد شهر واحد فقط على هجمات 11 أيلول، جمعت قيادة الوكالة جيشها من المحامين ورجال العمليات السرية، وتوصلت إلى خطة لإضفاء الشرعية على التعذيب، كان ذلك على الرغم من أن القانون الأمريكي يحرَم التعذيب بشكل واضح منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة، ومع ذلك، تعرض السجناء لكل أصناف وأنواع التعذيب قبل تقديمهم للمحاكمة، ما جعل هؤلاء السجناء يدلون باعترافات نتيجة التعذيب.
وفي بداية شهر آب عام 2002، بدأ ضباط ومقاولو الوكالة، بتعذيب أبو زبيدة في سجن سري، وقد تم توثيق هذا التعذيب في الملخص التنفيذي المنقح بشدة لتقرير مجلس الشيوخ عن التعذيب، ومن المرجح ألا يتم نشر التقرير نفسه أبداً، ولكن حتى في نسخته المنقحة، فإنه يرسم صورة مرعبة لما فعلته الوكالة مع سجنائها.
كانت المحاكمات العسكرية تسير بوتيرة بطيئة في القاعدة الأمريكية في غوانتانامو، حيث احتجزت الولايات المتحدة قرابة الـ780 سجيناً فيما يسمى بـ”الحرب على الإرهاب” منذ أوائل عام 2002.
ولكن انخفض هذا العدد فيما بعد إلى بضع عشرات مما تطلق عليهم الإدارة الأمريكية بـ “الأسوأ إطلاقاً”، ولم تتم الموافقة على إطلاق سراح سوى عدد قليل منهم في نهاية المطاف، في انتظار تحديد الدولة الراغبة في استقبالهم، ومن المرجح ألا يتم إطلاق سراح الباقين أبداً.
لقد ثبت أن المشكلة المتعلقة بتوجيه الاتهام لمعتقلي غوانتانامو متعددة الأوجه، فمعظم الأدلة التي يريد البنتاغون استخدامها ضد معتقلين من أمثال خالد شيخ محمد، المتهم بأنه العقل المدبر لهجمات 11 أيلول، وآخرين، تم جمعها من قبل ضباط الوكالة والمقاولين تحت وطأة التعذيب.
أولاً، من المؤكد أنه لا يمكن استخدام أي من هذه المعلومات ضدهم، وحتى من تم الزعم بـأنهم “الأسوأ على الإطلاق” إذ أنهم يتمتعون بحماية دستورية، سواء أراد ضباط الوكالة ذلك أم لا.
ثانياً، ما تبقى من معلومات ضد كل متهم تم تصنيفه على أنه خطير للغاية، لذلك لا تريد وكالة الاستخبارات رفع السرية عنه، حتى أثناء المحاكمة. وبالتالي، لم تتقدم أي محاكمات إلا بأبطأ وتيرة بيروقراطية ممكنة.
وفي أواخر عام 2006، وفي محاولة لطي الصفحة من إرث التعذيب الذي ترعاه الدولة، بدأ ممثلو الادعاء في إدارة جورج دبليو بوش تجربة في خليج غوانتانامو. حيث قاموا بتشكيل فرق من ضباط إنفاذ القانون لمحاولة الحصول على اعترافات طوعية من الرجال الذين أمضوا سنوات في ظروف وحشية في سجون وكالة الاستخبارات المركزية، المعزولة.
وفي عام 2007، رفض قاض عسكري الاعتراف الذي حصل عليه العملاء الفيدراليون من السجين السعودي عبد الرحيم النشيري، المتهم بالتخطيط للتفجير الانتحاري للمدمرة الأميركية “يو إس إس كول”، حيث كتب أنه بعد أربع سنوات قضاها في السجون السرية للوكالة، فإن “أي مقاومة كان المتهم يميل إلى إبداءها عندما طُلب منه تجريم نفسه، تم ضربه عمداً وحرفياً قبل سنوات”.
بعبارة أخرى، وجد الكولونيل أكوستا أن استجوابات “الفريق النظيف” في غوانتانامو، لم تتمكن من إزالة الأضرار التي خلفتها الوكالة في التعذيب وسنوات من التكييف لإرغام السجناء على الإجابة على الأسئلة عند الطلب.
وهذا هو نفس السبب وراء عدم محاكمة خالد شيخ محمد وأبو زبيدة وآخرين، على الرغم من وجودهم في حجز الولايات المتحدة لأكثر من 20 عاماً. ومما زاد الطين بلة أن رمزي بن الشيبة، المتهم بأنه من أخطر العقول المدبرة لهجمات 11 أيلول، تم الإعلان مؤخراً أنه غير مؤهل عقلياً للمثول للمحاكمة، لقد تسبب تعذيب الوكالة في الغرف السوداء حول العالم وفي غوانتانامو بإصابته “بالذهان واضطراب ما بعد الصدمة” الشديد لدرجة أنه لم يكن قادراً على المشاركة في الدفاع عن نفسه فحسب، ولكنه كان فاقد صوابه لدرجة أنه لا يستطيع حتى الدخول إلى سجن، أو فهم ما يفعله. وقال محامو الدفاع في المحكمة إن الأمل الوحيد لجعل بن الشيبة عاقلاً بما يكفي لمحاكمته هو توفير الرعاية النفسية له بعد الصدمة وإطلاق سراحه من الحبس العسكري، وهذا لن يحدث أبداً.
ويقول محامو بن الشيبة إنه خلال السنوات الأربع بين القبض عليه في عام 2002 ونقله إلى غوانتانامو في عام 2006، أصيب موكلهم بالجنون نتيجة لما أسمته الوكالة “بتقنيات الاستجواب المعززة”، والتي شملت الحرمان من النوم، والإيهام بالغرق، والضرب . كان بن الشيبة يتحدث بشكل غير مترابط خلال جلسة المحكمة في عام 2008، وحالته العقلية ظلت مشكلة منذ ذلك الحين.
كما عانى عمار البلوشي، ابن أخ خالد شيخ محمد، ومتهم آخر بالتآمر في أحداث 11 أيلول، محنة مماثلة، إذ يواجه عقوبة الإعدام، إذا لم يتمكن من الحصول على محاكمة، لكنه كان أيضاً ضحية تعذيب الوكالة.
وخلص التقرير الصادر عام 2008 عن المفتش العام للوكالة والذي تم رفع السرية عنه ونشره في أوائل عام 2023، إلى أن البلوشي قد تم استخدامه كـ “دعامة حية” لتعليم المحققين المتدربين في وكالة الاستخبارات، الذين اصطفوا ليتناوبوا على ضرب رأسه بالحائط، ما تسبب له بتلف دائم في الدماغ. كما ذكر التقرير أنه في عام 2018، تم إجراء تصوير بالرنين المغناطيسي لبلوشي وفحصه طبيب نفسي، ووجد “تشوهات في الدماغ تتوافق مع إصابات الدماغ المؤلمة، وتلفاً متوسطاً إلى شديداً في الدماغ”. ومثل بن الشيبة، فإن البلوشي غير قادر على المشاركة في الدفاع عن نفسه.
وفي ختام حديثه، أكد كيرياكو على أنه من حق جميع الأميركيين أن يعرفوا الرد الرسمي للإدارة الأمريكية، ولماذا أصبح التعذيب فجأة مقبولاً؟ من كان المسؤول عن ذلك؟ ولماذا لم يعاقبوا على جرائم واضحة ضد الإنسانية؟
كان كيرياكو الشخص الوحيد المرتبط ببرنامج التعذيب التابع للوكالة والذي تمت محاكمته وسجنه، حيث تم اتهامه بخمس جنايات، بما في ذلك ثلاث تهم بالتجسس، لإخباره شبكة “أي بي سي نيوز” ونيويورك تايمز أن الوكالة كانت تعذب سجناءها، وأن التعذيب كان سياسة رسمية للإدارة الأمريكية، وأن هذه السياسة تمت الموافقة عليها من قبل الرئيس نفسه، لذا قضى 23 شهراً في سجن فيدرالي.