الحلم في ربيعه الخمسيني
سلوى عباس
ما بين حرب وحرب، مرّ عمر من أحداث تباينت في تأثيراتها وصداها، ففي الحرب الأولى لم يكن عمري قد تجاوز السنوات الست إذ تلوح في ذاكرتي بعض ملامح حرب حزيران التي كانت مختلفة في إحساسي وردود فعلي على أحداث حرب تشرين، رغم المسافة الزمنية القصيرة بين الحربين، إلا أن ما اختلف هو وعيي لمعنى الحرب وما أفسدته من متعي الطفولية وأنضجتني مبكراً، ليبلغ الأسى مداه إثر هاتف تلقاه والدي في ذاك اليوم ليلتحق بعمله بسبب إعلان استنفار عام، فغادرني الفرح وانصرف اهتمامي إلى معرفة تفاصيل ما يجري، ولو أنّ بعض الأمور كان عصياً علي فهمه وأنا أرى وجوه الناس قد ارتدت ملامح الخوف والقلق غير المعلن، الأمر الذي حرّك فضولي الطفولي لمعرفة ما يجري وأخذني بعيداً لأتابع تطورات الحدث، ولأفهم ماذا تعني الحرب.
فجر تشريني جديد يهل لينشر عبقه في أرواحنا ويدعونا للحياة، لحظات تحولت حروفها في وجداننا شعلة من ضياء وألق، و ها هي الذكرى تطل لتعود بنا إلى تلك الليلة التي كانت نقطة التحول في حياتنا حيث أخذت سورية تغزل من خيوط الشمس مجد تاريخها ومستقبل أبنائها الذين يتباهون بوجودهم في وطن يضمهم ويمثل انتماءهم للحياة، فما يعيشه الإنسان من حالات تصبح جزءاً من وعيه لانتمائه الوطني، هؤلاء الناس المتقدة قلوبهم بشعلة الإيمان والأمل على تجاوز محن الحياة هم من يملكون القدرة على صياغة الحاضر والمستقبل ومواجهة كل التحديات، هذا ما رسّخه تشرين التحرير منذ نصف قرن من الزمن في وجدان الشعب السوري الذي امتلك مقومات الحلم والإرادة وسر الحياة، ومازال مستعداً لتقديم كل ما يملك في سبيل أن تبقى راية سورية ناصعة النقاء والبياض.
سورية النابضة بالفرح والعطاء هي أمّ أولئك الأبطال الذين ما زالت تنبض في قلوبهم دماء العنفوان، أولئك الأبطال الذين صمموا على التحدي ومواجهة العدو بكل أشكاله، هذا هو قدر سورية وأبنائها، ففي هذا الزمن ليس من موقف محايد، وما من صمت، فإما أن نكون في موقف الرفض، أو نكون في موقف القبول، ومهما كانت الجراح كبيرة لن تعيق إرادة الصمود عن مواصلة شق الدرب نحو شمس الحرية والكرامة، ومهما طغى الطوفان وارتفع، فلابد آتية لحظة انحساره وتلاشيه على صخور الإرادة والتصدي، فسورية ستبقى صامدة متحدية كل الصعاب لأن عزيمة الرجال هي التي تصنع النصر، ولأن الذين صنعوا حضارة العالم وناضلوا في سبيل الإنسانية هم الرجال الحقيقيون الذين مجّدهم التاريخ وحفظ أسماءهم في أنصع صفحاته.
اليوم ومع الانتصارات التي يحققها أبطال جيشنا على امتداد وطننا السوري يزهر الحلم في ربيعه الخمسيني ويعود التاريخ إلينا عبر الذاكرة يروي للأجيال القادمة حكايات لا تنتهي عن سوريتنا التي يرتسم المجد على جبهتها تضحيات قدمها أبطالها من أجل أن يعيش وطنهم عرس الانتصار، فصباح الوطن الجميل، وصباح سورية المشرقة بقامات طاولت الشمس وسطرت في سفر التاريخ حكايات المجد. صباحكم سكينة وهدوءاً أبطالنا الميامين وأنتم ترسمون أحلامنا، وفي لحظة من عمر الزمن يهمي كل الياسمين من عليائكم في قلوبنا، ويدخل أسمكم في وقع أيامنا من بوابة الشغف، لتفتحوا قلوبنا على الحياة، فتضيء الشموس ويعبق الياسمين مرتلاً لكم وللوطن أنشودة السلام، ولتكن كل مدينة في سورية عاصمة الدنيا، وإشراقة للمجد.