اقتصادصحيفة البعث

“الرأسمال والاستثمار الوطني”.. خيار الضرورة أم ضرورة الخيار؟

قسيم دحدل

ثمّة تحدٍّ اقتصاديّ كبير يواجهنا، في حزمة التحديات المختلفة، نتيجة للحصار والعقوبات الغربية الظالمة، يتمثل هذا التحدي في ثلاثة محاور مترابطة، أولها الاستثمار وثانيها رأسمال (التمويل) وآخرها مقدرة المحورين السابقين على إحداث الخرق في جدار العقوبات، والتغيير المؤثر الفاعل في إعادة الانطلاقة لاقتصادنا الوطني بشكل ومضامين مختلفة عما سبق ومضى، وبالتالي تحقيق نهضة الدولة بأركان وهيكلية متجدّدة تتناسب وتتواكب مع مفرزات ومتطلبات القرن الحادي والعشرين على مختلف الصعد وفي كلّ القطاعات.

ولعلّ التساؤل الأهم الذي يتقدّم على سواه، استناداً لما أنف، هو: هل بإمكان الاستثمارات الأجنبية والرأسمال الأجنبي، الدخول إلى سورية والاستثمار فيها، في ظلّ تشابك الأوضاع الخارجية بالظروف الداخلية القائمة؟

الجواب، حتى ولو كنّا نملك ونقدّم كل المحفزات التي يُسيل لها لعاب الرأسمال، لكن لا شكّ أن دون ذلك عوائق وعقبات عديدة وازنة، منها الموضوعي وغير الموضوعي، سواء على الصعيد المحلي أم الخارجي.

أمام هكذا معضلة اقتصادية ومالية نقدية، يغدو الرهان على الرأسمال الوطني خيار الخيارات، حيث أصبح الرأسمال الوطني بما يتضمن من أنشطة تجارية أو صناعية أو خدمية، وبما يمتلك من قدرة مالية ثابتة، من ثوابت الاقتصاد المعاصر.

في هذا السياق، نؤكد ضرورة أن يتحمّل الرأسمال الوطني مسؤوليته الوطنية، في دورة الإنتاج ورفد الحركة الاقتصادية الوطنية بالمزيد من المشاريع ذات الطابع الإنتاجي الاستراتيجي، وتهيئة الكوادر والكفاءات الوطنية القادرة على إدارة هذه الأنشطة وتطويرها؛ لأنه ليس من المنطق أن تستثمر الأموال الوطنية في البلدان الأخرى وبلدها الأصلي بحاجة إلى استثمار هذه الرساميل في الحركة الاقتصادية والوطنية. ولعلّ مقولة “ما حك جلدك مثل ظفرك” في الحالة السورية قد تكون المخرج من المأزق ولو مرحلياً، حيث ستفرض النجاحات نفسها على الشراكات المستقبلية العاجلة والآجلة.

عطفاً على ما سبق، نلفت إلى قضية غاية في الأهمية، وهي أن “هروب” أو خروج الرأسمال الوطني إلى الخارج، يعدّ وفق كلّ المقاييس قضية خطيرة ينبغي الالتفات إليها، وإنهاء عوامل استمرارها وتوفير متطلبات استثمارها في الإطار الوطني.

ولا شكّ أن هذا يتطلّب توحيد الجهود وتكثيفها، ولمّ الشمل والحوارات العميقة بين مجموع الفعاليات الاقتصادية والتجارية، وذلك من أجل رسم خريطة العمل، وتحديد آليات الانطلاق وأولوياته.

ومن المؤكد أن مشاركة الرأسمال الوطني في المهام المستدامة، على مستوى إعادة الإعمار والتنمية الشاملة، بحاجة إلى مشروع وطني متكامل، يأخذ على عاتقه تجديد الحياة المجتمعية، وتوفير عوامل الفعالية والحيوية، وتذليل العقبات والمشكلات التي تحول دون تفاعل الرأسمال الوطني (عامه، وخاصه تحديداً) بالصورة المطلوبة، ذلك لأنه لا يمكن أن يشارك الرأسمال الوطني بشكل فعّال، دون وجود مشروع وطني، يحدّد لكل فعالية مجال عملها ونشاطها، ويبلور لكل شريحة وقطاع الدور والوظيفة في عملية إعادة الإعمار والتنمية والتطوير.

وفي حال توفر مثل هذا المشروع الطموح القادر على استيعاب متطلبات نهوضنا الوطني على جميع الصعد والمستويات، سنجد أن الرأسمال الوطني سيشارك بفعالية في السوق الوطنية، ويقوم بمبادرات نوعية تؤهل واقعنا للانخراط النوعي في المشروعات الوطنية الإنتاجية الاستراتيجية المستندة إلى خصوصية الحالة السورية، والاقتصاد السوري، ورؤيتنا المستقبلية لما نريد أن نكون عليه، لا على ما يُراد لنا أن نكون، في عالم ومحاور وتكتلات تحكمها المصالح.

فالثروات المالية الوطنية، ينبغي أن تتوجّه إلى الاقتصاد الحقيقي، والاستثمار في مؤسساته وأوعيته المختلفة، وفي هذا الإطار نؤكد ضرورة الاهتمام بالتنمية البشرية، ذلك أن تقدّم أي شعب وتحقيق تطلعاته، يقتضي تحول أبنائه إلى كفاءات وقدرات (الرأسمال البشري)، توازياً مع توفير احتياجات ذلك من بُنى معرفية ومادية، فالتنمية البشرية لها الموقعية المركزية، في كلّ مجالات التطور والتقدم، وعلى هذا فإن الرأسمال الوطني ينبغي أن يهتمّ بمجالات وآفاق التنمية البشرية، ويشارك بجدية في تشييد مؤسساتها وتوفير مستلزمات انطلاقها ونجاحها، وبما تتطلبه المسيرة الاقتصادية من خبرات ومهارات.

كما نؤكد الاهتمام بالمؤسّسات الإنتاجية، انطلاقاً من أن القوة الحقيقية لأي مجتمع لا تُقاس بمقدار وحجم ما يستهلكه من إمكانات وسلع، وإنما بقدر ما ينتجه ويبتكره ويبدعه. ومن هذا المنطلق فإننا نرى أن من المهام الأساسية التي ينبغي على الرأسمال الوطني القيام بها تعظيم وتكثير مؤسّسات ومواقع الإنتاج، حتى يتمكّن المجتمع من امتلاك كلّ أسباب القوة والتمكن، وبالتالي تمكّن الدولة من أركان نهضتها وخروجها من نفق الأزمة.

Qassim1965@gmail.com