تشرين وشُهداءُ الكُلّيّة الحربيّة
د. محمد الحوراني
لم تَكُنِ المأساةُ الكبيرةُ التي أصابتْ الشعبَ السُّوريَّ في الخامس من تشرين الأوّل ٢٠٢٣ مُتوَقَّعَةً على الأصعدةِ كافّة، بل إنَّ هذه الفاجعةَ الإنسانيّةَ جعلت الشعبَ السوريَّ يستذكرُ أفظعَ جرائم الإرهابيّين في الجغرافيا السوريّة خلالَ اثنتي عَشْرَةَ سنةً من الحرب الكونيّة التي شُنّتْ على سورية بدعمٍ من الكيان الصهيونيّ والنظام التُّركيِّ الإخوانيِّ وبعضِ الأنظمة المأفونة في المنطقة والعالم، كما أنَّ هذهِ الجريمةَ النكراءَ جعلَتْنا نستحضرُ إجرامَ الإرهابيّين من عصابةِ (الإخوان) في ثمانينيات القرنِ الـمُنصَرِم، ولا سيّما المجزرة التي اقترَفَتْها أيديهم في مدرسة المدفعيّة في حلب يوم السادس عشر من حزيران عام ١٩٧٩، وقد راحَ ضحيّتها عشرات الشُّهداء من الطُّلّاب الضُّبّاط، وكذلك مجزرة الأزبكيّة في دمشق يوم ٢٩ تشرين الثاني عام ١٩٨١، وغيرهما من المجازر التي لن ينساها أبناءُ الشعب السوريّ.
نعم، إنّهُ تاريخٌ من الإجرام الصهيونيّ الرجعيّ الإخوانيّ، مُقابلَ تاريخٍ مُشرِّفٍ لشُهداءِ الوطن وشُهداءِ الواجب على أرضِ الكرامة والعِزّةِ والانتماء السوريّة. صحيحٌ أنّ الكارثةَ التي أصابت الشَّعبَ السوريَّ باستشهادِ ثُلّةٍ من خيرةِ أبنائِهِ من طُلّابِ الكُلّيّةِ الحربيّة في حمص، كارثةٌ كبيرةٌ، بل كارثة وطنية أصابت كُلَّ وطنيّ سوريّ أينما وُجِدَ، لكنَّها يجبُ أن تدفعَ الدولةَ السوريّةَ إلى تغيير طريقةِ التعامُلِ معَ بقايا الإرهابيّين ومُشغِّـليهم أينما كانوا، بل إنّ هذه الفاجعةَ الداميةَ يجبُ أن تدفعَنا إلى الـمُضِـيِّ قُـدُماً في استئصالِ شأفةِ الإرهابِ والقضاءِ على بُؤَرِهِ في أنحاءِ سورية كُلّها والعالم، لأنَّ الإبطاءَ في عمليّةِ القضاءِ عليهم يعني مزيداً من الشُّهداء في سورية، كما يعني مزيداً من استنزاف الطاقات والموارد لأبناء الشعب السوريّ القابضِ على جمرِ الإخلاصِ لوطنِهِ، والرافضِ لأيِّ نوعٍ من أنواع الـمُساوَمةِ على تُرابِ وطنِه.
إنَّ جريمةَ الكُلّيّةِ الحربيّة في حمص جريمةٌ مُوجَّهةٌ إلى المدنيّينَ السُّوريّينَ وإلى الأطفالِ والنِّساء والطُّلّاب في سورية، وهي جريمةٌ تعني فيما تعنيهِ، أنَّ الأطفالَ والنِّساءَ والشبابَ السوريَّ، الذينَ خاضَ آباؤُهم وأجدادُهم حربَ تشرين التحريريّة عام ١٩٧٣، وأحرَزُوا الانتصارَ الكبيرَ على العُدوِّ الصُّهيونيّ، يُشكِّلُونَ رُعْباً كبيراً له.
نعم، إنَّ شُهداءَ الكُلّيّة الحربيّة هم أحفادُ أبطالِ معركةِ حطّين وحربِ تشرين، وهمُ الأبناءُ الـخُلَّصُ للمُقاتلينَ الذين كانَ لهمُ الفضلُ في انتصار حرب تشرين، كما أنَّهُمُ الأبناءُ والحاضنةُ للجيشِ العربيِّ السوريّ الذي سَطَّـرَ أروعَ الصفحات في معاركِ البُطولةِ ضدَّ الإرهابيّين الذينَ أرادُوا تقويضَ أركانِ الدولة السُّوريّة.
لا ريبَ في أنَّ هؤلاءِ الشُّهداءَ هم كوادرُ المدرسةِ التي أفْشَلَتْ مُخطَّطاتِ تدميرِ سورية عَبْرَ الحرب الإرهابيّة التي شُنّتْ عليها خلالَ أكثرَ من اثنتي عشرةَ سنةً، لذلكَ فإنَّ هؤلاء الـمُجرمينَ القتلة، الذينَ ارتَكبُوا مجزرةَ الكُلّيّة الحربيّة في حمص، أرادُوا إعادةَ إحياءِ مُخطَّطاتهم الإجراميّة الدمويّة بأشكالٍ أكثرَ إرهاباً عَبْرَ الإمعانِ في سَفْكِ دمِ الشعبِ السوريّ الذي حقّقَ النَّصْرَ في حَرْبِهِ على الإرهاب، وأفْشَلَ المُخطّطاتِ “الصهيو أميركيّة”، كما حقّقَ النصرَ في حربِ تشرين التحريريّة.
تُؤكِّدُ هذه الجريمةُ الإرهابيّةُ الغادرةُ من جديدٍ حِقْدَ الإرهابيّين وداعِميهم على الشعبِ والجيشِ العربيّ السوريّ لِـمَـا قاما بهِ من أعمالٍ بُطوليّة قَوَّضَتْ كُلَّ مُحاولةٍ للنَّيلِ من سورية عَبْرَ تاريخِنا الذي نفخرُ بهِ جميعاً، وهو التاريخُ الذي كانَ مصدرَ إزعاجٍ للعَدُوِّ الصهيونيّ وأذنابِه، وهذا ما دفَعَهُ إلى الإعلانِ أكثرَ من مرّةٍ أنّهُ لن ينعمَ بالراحة والاستقرار إلّا بتدمير بعض الجيوش العربيّة، وعلى رأسها الجيشُ العربيّ السوريّ، لكنَّ هذا العَدُوَّ المُجرِمَ نَسِيَ، أو تناسى، أنَّ جرائمَهُ لن تزيدَ هذا الشعبَ المُؤْمِنَ الصَّابِرَ إلّا إصراراً على تحريرِ أرضِهِ والقضاءِ على عَدُوِّه.
إنَّ إعلانَ الحِدادِ حُزْناً على ضحايا الكارثةِ التي أصابَتْ طُلّابَ الكُلّيّةِ الحربيّةِ في حمصَ وذويهم، كما أصابَتْ كُلَّ فردٍ من أفراد الشعبِ السوريّ، يجبُ أنْ تُرافِقَهُ قراراتٌ كبيرةٌ في حجمِ الحدَثِ والمأساة، تكونُ على رأسِها استراتيجيّةٌ كبيرةٌ للقضاءِ على الإرهابِ وأهلِهِ أينما وُجِدُوا في الجغرافيا السوريّة، فلا يُمكِنُ وضعُ حدٍّ لحالةِ الاستثمار في الدَّمِ السُّوريّ التي يقترفُها الصهاينةُ وأعوانُهم، إلّا بالقضاءِ على تُجّارِ الدَّمِ الذينَ أوْغَلُوا في قَتْلِ الشعبِ السُّوريِّ وفي سَفْكِ دِمائِه.
ستبقى دماءُ شُهداءِ الكُلّيّةِ الحربيّة في حمصَ منارةً تُضيءُ حياةَ الشعبِ السوريِّ الأبيّ، ونبراساً يُنيرُ دربَ الحُرّيةِ والتَّحرُّرِ مِنْ رِجْسِ الاحتلالِ والإرهاب، وسيبقى هذا اليومُ جُرحاً غائراً في الجسَدِ السُّوريِّ الرافضِ للهزيمةِ والمُتمسِّكِ بدولتِهِ الوطنيّةِ ومبادئِهِ التي لا يُمكنُ التَّنازُلُ عنها تحتَ أقسى الظُّروفِ وأصْعَبِها، وهو جُرحٌ لا يندملُ إلّا بالقضاءِ على الإرهابِ وأهلِهِ واستعادةِ الأراضي المُحتلّةِ جميعها.