عندما يدّعي مجرمو الحرب أنهم يدافعون عن حقوق المرأة
هيفاء علي
ظهرت في الآونة الأخيرة موضة جديدة في خطاب سلطات الكيان الإسرائيلي المحتل تستهدف الفلسطينيين والعرب، وهي حقوق المرأة، حيث يعتبر هذا المصطلح “الجديد” غير دقيق تماماً.
إن إساءة استخدام النضال من أجل حقوق المرأة في العالم العربي هو أمر جديد فقط إلى حدّ أن الخطاب الدعائي الإسرائيلي يستخدم هذا التكتيك بشكل متزايد، وقد تجلّى ذلك بطريقة غريبة خلال الخطاب الذي ألقاه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 19 أيلول الماضي، بمناسبة انعقاد الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث قام مندوب الكيان الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة “جلعاد إردان” بالمشي ذهاباً وإياباً في قاعة التجمع حاملاً صورة “مهسا أميني” التي توفيت العام الماضي، وكُتب على اللافتة: “المرأة الإيرانية تستحق الحرية الآن”. ووفقاً لقواعد الأمم المتحدة، تمّ طرد إردان في نهاية المطاف من قبل الأجهزة الأمنية، وهو الأمر الذي كان يتوقعه بلا شك.
و”إردان” هذا، يحظى بدعم الحكومات الغربية نفسها التي تواصل تمويل آلة الحرب الإسرائيلية والاحتلال العسكري لفلسطين والدفاع عنها، ويرتكز نشاطه بشكل أساسي على تكتيك واحد: إذا لم يكن راضياً عن سلوك أقرانه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهو ببساطة يتهمهم بأنهم “معادون للسامية”، وفي بعض الأحيان، يتمّ اتهام الهيئة السياسية للأمم المتحدة بأكملها بأنها معادية لــ”إسرائيل” ومعادية للسامية. ولكن هذه الحيلة الإسرائيلية المتمثلة في وصف من يقولون الحقائق بأنها معادية للسامية، لا تنجح إلا لأنها جزء من خطاب سياسي واسع النطاق، ويفترض أنه فكري، يغذيه الإعلام باستمرار ويقبله القادة السياسيون الغربيون كحقيقة.
ومن خلال لعب دور النجم، على الأقل بالنسبة للحكومات والمنظمات المناهضة لإيران التي تشاركه وجهات نظره، أراد أن يتحول النقاش من حقوق الفلسطينيين إلى حقوق الإيرانيين، ومن بين المقالات والتغطيات الإعلامية العديدة التي أعقبت عرض إردان، تحدث عدد قليل من الكتّاب والمحلّلين، عن حرب الكيان الإسرائيلي ضد النساء الفلسطينيات: القتل، والسجن، والتعذيب، والحرمان من حرية التنقل، والإذلال اليومي، والحرمان من الأدوية. ووفقاً للأمم المتحدة، تمّ استهداف 253 امرأة على الأقل في غزة خلال حرب عام 2014 وحدها. وهذه الأرقام ما هي إلا غيض من فيض، فكل امرأة فلسطينية تعيش تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، سواء في القدس الشرقية أو الضفة الغربية أو غزة، تعاني في حياتها اليومية.
وهؤلاء النساء جزء كامل من نضال ومعاناة جميع الفلسطينيين، ولم يكن لدى إردان أي خطط لهؤلاء النساء، وينطبق الشيء نفسه على العديد من المنظمات التاريخية، التي يُفترض أنها نسوية، والتي تستمر في التضامن مع النساء الإيرانيات بينما تتجاهل آلام وإذلال النساء الفلسطينيات على أيدي الجيش والسلطة الإسرائيليين. ولسوء الحظ، لم يتمّ اتخاذ أي إجراء يُذكر في أعقاب التقرير الدامغ الذي أصدرته منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” في 5 أيلول الماضي، والذي تعرّضت فيه النساء الفلسطينيات من عائلة العجلوني للإهانة وتمّ عرضهن عاريات تماماً أمام أطفالهن، وقد وقعت هذه الحادثة بينما كان أطفال وشباب عائلة العجلوني مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين، وكان جنود الاحتلال يسرقون الذهب والفضة من النساء.
وعندما لا ينطبق الدفاع عن حقوق الرجال والنساء إلا في الحالات التي يكون فيها مرتكب الجريمة عدواً للولايات المتحدة، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت الدعوة لها أي علاقة بالموضوع. والمفارقة هي أن الكيان الإسرائيلي كان أحد القوى السياسية الرئيسية التي تقف وراء العقوبات القاتلة التي فرضتها الولايات المتحدة والغرب على إيران لسنوات طويلة، وقد دمّرت هذه العقوبات المجتمع والأسر الإيرانية، رجالاً ونساءً على حدّ سواء.
لقد غدا الاختباء وراء حقوق المرأة في الشرق الأوسط الآن التكتيك المفضّل في العديد من المناقشات العامة والمؤتمرات والتغطية الإعلامية لـ”إسرائيل” وفلسطين، وحتى لو فشل هذا التكتيك في إحداث تغيير جذري في مفهوم الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري في فلسطين، فإنه يخلق تشتيتاً في أذهان البعض. وقد استخدمت الولايات المتحدة استراتيجية “تحرير المرأة” باعتبارها العمود الفقري للدعاية الواسعة التي سبقت الحربين في العراق وأفغانستان. وبمجرد غزو البلدين اختفت النساء العراقيات والأفغانيات من الصفحات الأولى، وفي كلتا الحالتين، قُتلت واغتصبت وعُذبت عشرات الآلاف من النساء على يد الجيش الأمريكي. أما “الناشطون” الذين انضموا في البداية إلى الحملات الأولى لحقوق المرأة التي قادتها الولايات المتحدة، فإنهم غالباً ما يختفون من المشهد عندما تكون النساء ضحايا الولايات المتحدة والغرب و”إسرائيل”!.