الاحتلال لم يثن عزيمة “أهل الرقة” عن التشبث بأرضهم ومتابعة تعليمهم.. أكثر من 50 ألف طن من الذرة الصفراء الإنتاج المتوقع.. وافتتاح معهد لإعداد المدرسين في مدينة السبخة
البعث الأسبوعية – حسان المحمد
بعد أن استطاعت بصمود أهلها نفض غبار الحرب، تشهد محافظة الرقة وريفها نشاطاً ملحوظاً على مستوى الزراعة والخدمات العامة للنهوض بها مجددا على كافة الصعد، لاسيما مع تزايد عودة الأهالي إلى مناطقهم في الريف المحرر الذي سجل بدم شهدائه وعزم جيشه انتصاراً ساحقاً على الإرهاب، ويتطلع هذا الريف حالياً لعملية إعادة الإعمار بثقة وأمل وقدرة على تسجيل انتصار ثانٍ للانطلاق في مرحلة التعافي.
“البعث الأسبوعية” التقت محافظ الرقة عبد الرزاق خليفة الذي أكد أن التحدث عن محافظة الرقة هو حديث ذو شجون فهو يُعنى بحوض الفرات الغني بخيراته الزراعية التي لابد من العمل على تنشيطها مجدداً بدعم ومساندة كافة الجهات المعنية في المحافظة.
استقرار
لاشك أن واقع الحرب أدى لنزوح غالبية سكان المحافظة، لكن بعد عودة الاستقرار وتحريرها من قبل الجيش السوري، بيّن المحافظ أن الهدف الأول لكل الجهات الحكومية هو تحقيق مسببات استقرار المواطن عبر تحقيق أولويات الحياة المعيشية من بنى تحتية ومؤسسات خدمية، إضافة لتحقيق الاستقرار المعيشي المتعلق بمستلزمات الحياة الاقتصادية للمواطن كالزراعة وما إلى ذلك، كي يتسنى لهذا المواطن الصامد العودة إلى مناطقه وتنشيط أعماله وزراعاته في جو من الأمان والاستقرار.
بنى تحتية
إثر ما خلفه الإرهاب من تخريب كل ما هو فوق الأرض وتحتها كشبكات الصرف الصحي ومياه الشرب، قامت الجهات الخدمية في محافظة الرقة بتأمين متطلبات المواطنين ولو بالحد الأدنى، وهنا يعتبر المحافظ أن الوضع جيد حالياً، حيث تم تنفيذ عدة مشاريع متعلقة بهذا الصدد، كما يتم اليوم العمل على تعبيد وتزفيت طريق شويحان بطول 40 كم لوضعه بالخدمة خلال أيام قليلة بعد أن كان طريق ترابي، وهذا بالتأكيد سيخفف الأعباء عن المواطنين نتيجة تقليص المسافات، لافتاً إلى وجود وصلة طرقية بطول 11 كم تقع على الطريق المركزي الجديد “الرقة ديرالزور” وتحتاج إلى تعبيد لذلك قامت المحافظة بمراسلة وزارة الإدارة المحلية ليصار إلى مخاطبة وزارة النقل لإدراج هذه الوصلة ضمن خطتها بأقرب وقت وذلك للضرورة الملحة وأهمية هذا الطريق.
أما عن واقع النقل، فقد كشف المحافظ عن مبادرة لنقل فنيي مديرية النقل المتواجدين حالياً في محافظة حماة إلى الريف المحرر لتقديم خدمات النقل من لجان وإجراء الفحص الفني للمركبات والكشف وغيرها من الإجراءات وذلك بهدف تخفيف أعباء السفر في ظل الظروف المادية القاسية للمواطنين في كامل ريف الرقة المحرر، وذلك ضمن مواعيد دورية ومنتظمة، وقد بلغ عدد المعاملات التي تم إنجازها خلال الشهر السابق فيما يتعلق بالمركبات 4096 معاملة وأكثر من 2300 معاملة للمحافظات الأخرى، فيما بلغت الرسوم المستوفاة أكثر من 153 مليون ليرة سورية.
التعليم أولا
إن الحرص على العملية التعليمية بعد استقرار المنطقة وعودة الأمن والأمان لها كان من أولويات المحافظة، إذ بين خليفة أنه تمت صيانة 125 مدرسة في المناطق الآمنة بعد التحرير وتقديم كافة الخدمات لها بحيث يتم إجراء العملية الامتحانية للثانوية العامة والتعليم الأساسي في مدارس المحافظة بالمستوى المطلوب، مشيراً إلى أن عدد الطلاب المتقدمين لهذا العام بلغ 22 ألف طالب وطالبة مع وجود عدد كبير من الطلاب الذين تقدموا للامتحان من المناطق غير الآمنة لحرصهم على التعلم والتعليم، وأكد خليفة أن الحالة التعليمية في مدارس ريف الرقة المحرر لا تختلف عن أية محافظة أو منطقة في سورية من الناحية التعليمية ومن ناحية الاهتمام والكوادر، والجديد بالذكر هو تأمين مقر لمعهد إعداد المدرسين في مدينة السبخة هذا العام وافتتاحه أمام الطلبة خلال العام الدراسي الحالي، معتبراً أن هذا الأمر إنجازاً جديداً وكبيراً على الصعيد التعليمي إضافة لوجود ثانويات تجارية وصناعية.
الزراعات الاستراتيجية
وبما أن هذه المنطقة تشتهر بالزراعات الاستراتيجية المتنوعة وفي مقدمتها القطن، بين خليفة أن واقع هذا المحصول أفضل مما كان عليه منذ سنوات سابقة، وذلك بعد تحرير جزء لا يستهان به من هذه المحافظة في عام 2017 من جهة ضفة الفرات اليمنى، وفي سبيل إنجاح وتطوير محصول القطن لما له من أهمية وطنية واقتصادية، يتم تقديم كافة أشكال التعاون وتأمين المستلزمات للفلاحين، كالأسمدة المتوفرة لدى المصارف الزراعية والمحددة من قبل وزارة الزراعة، مع تأمين المحروقات بالسعر المدعوم لجميع الريات التي تتطلبها زراعة القطن عدا الحراثة والفلاحة بالسعر المدعوم، مشيراً إلى المساحة المزروعة تقدر بنحو 1000 هكتاراً وتم البدء بعمليات استلام محصول القطن بعد اتخاذ كافة الاستعدادات والتجهيزات في مراكز السبخة.
أما الزراعة الأشهر على في المحافظة فهي الذرة الصفراء، إذ تعتبر محافظة الرقة من حيث الإنتاج الأولى على مستوى القطر، وقد بلغت المساحة المزروعة في المناطق الآمنة نحو 6 آلاف هكتار بإنتاج متوقع يزيد عن 50 ألف طنً، أي بزيادة ملحوظة عن العام السابق مساحةً وإنتاجاً، وقد تم توزيع سماد السوبر فوسفات لهذا المحصول وكذلك المحروقات لعمليات الحراثة ولثلاث ريات بالسعر المدعوم ومثلها بسعر التكلفة.
معوقات
بالمقابل لا يمكن إغفال المعاناة الكبيرة فيما يتعلق بمجففات الذرة لكل منطقة حوض الفرات، وهنا أشار خليفة إلى أن المجففات الرئيسية ذات الطاقة الإنتاجية العالية تواجد في المناطق غير الآمنة، بينما لا يوجد في الريف المحرر الآمن أي مجفف ذرة حكومي باستثناء مجفف واحد صغير في قرية زور شمر وهو غير كافٍ للجمعية الفلاحية هناك، لذا يتم المتابعة بشكل مستمر ودائم مع وزارة الزراعة من أجل تأمين مجففات، معتبراً أن للحصار الاقتصادي الجائر على سورية الأثر السلبي لجهة تأمين المجففات، لافتاً إلى أن مؤسسة الأعلاف قامت بإعلان مناقصة من أجل هذا الغرض، لكنه لم يتقدم أي عارض حتى تاريخه، علماً أنه تم العرض بحملة واسعة لتشجيع القطاع الخاص سواءً على سبيل الاستثمار المشترك أو أن يقوم أي مستثمر بتأمين المجففات، مع تكفّل المحافظة بتقديم كافة أنواع التسهيلات والإجراءات وبشكل كبير وذلك في سبيل خدمة الفلاحين، ليتواجد اليوم عارض واحد قام بتقديم طلبه من أجل تأمين مجفف للذرة لهذا الموسم، وأمام هذا الواقع من نقص المجففات وعلى مبدأ “الجود بالموجود” يعتمد الفلاحون على التجفيف الذاتي عبر نشر محصولهم على الطرقات.
وأضاف خليفة أن تأثير الاحتلال في العام السابق كان كبيراً على محصول الذرة إذ لم يتم تسليم محصول الذرة الصفراء ضمن مناطق سيطرة ميليشيا قسد لأحد، وبقي المحصول بالعراء مما أدى إلى تفحّم وتعطل وتخريب هذا المحصول بكميات كبيرة.
ثروات منهوبة
ولم يخف المحافظ ما تعانيه المحافظة من ناحية الاحتلال والسيطرة على الموارد الاقتصادية وكذلك على الواقع الجغرافي على الحدود التركية، إذ يتحكم الاحتلال التركي وأدواته بمساحة لا بأس بها تصل إلى حد طريق /حلب الحسكه/ شمالاً حتى الحدود التركية ويتحكم أيضا من هذه المنطقة حتى نهر الفرات” ميليشيا “قسد”، وهذا لاشك يؤثر بشكل كبير على الحالة الزراعية وكذلك المعيشية خاصةً وأن الغالبية العظمى من أبناء محافظة الرقة يعتمدون على الزراعة، ويبدو التأثير السلبي للاحتلال من خلال تحويل محصول القمح في مناطق الاحتلال التركي الذي تم شراؤه من الفلاحين إلى تركيا، مشيراً إلى أنه وحسب المعلومات التي وردت إلى المحافظة عبر مديرية الزراعة ومؤسسة الحبوب بالرقة، فإن إنتاج القمح في العام الماضي ضمن المناطق غير الآمنة ضمن سيطرة الاحتلال يزيد عن500 ألف طن.
عودة ميمونة
ورغم أنف الاحتلال، وبعد كافة تلك الإجراءات، بدأت العودة لأبناء المنطقة بشكل متسارع، حيث تجاوز السكان العائدين في منطقة السبخة 90%، كما عاد كافة سكان مناطق الحمدانية والبلدات التابعة لها، أما العائدون في منطقة معدان فهم أكثر من65% وفي دبسي عفنان أكثر من50%، وأشار المحافظ إلى أن مرسوم العفو الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد لأبناء محافظة الرقة كان له تأثيرات إيجابية كبيرة بعودة المواطنين إلى مناطقهم حيث بلغ عدد من قاموا بتسوية أوضاعهم نحو 6 آلاف أسرة في عام 2022.
يشار إلى أن محافظة الرقة هي محافظة خيرة وخصبة وتعتبر جزء مهم من سلة سورية الغذائية كون أراضيها ذات إنتاجية عالية وتمتلك ثروات باطنية كبرى، لكنه تم استغلالها وسرقتها ونهبها من قبل الاحتلال التركي والأمريكي بشكل مباشر أو من خلال أدواتهما عبر ميليشا “قسد”.