د. فؤاد طوبال.. وحدة الاندماج بين الفنون في معرضه “كتلة ولون”
ملده شويكاني
منحوتة البولستير لعازفة الناي بثوبها الأزرق الذي لم يخفِ انحناءات جسدها المتمايل مع نغمات الناي الشجية التي تلتفّ حول خصرها النحيل، شغلت جانباً من معرض الفنان د. فؤاد طوبال الأستاذ الجامعي في كلية الفنون الجميلة، النحات والرسام والباحث والناقد وعازف العود، بعنوان “كتلة ولون” والذي أقيم في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بدعوة من وزارة الثقافة- مديرية ثقافة دمشق.
ومن المعروف أن طوبال شُغف بعالم النحت وله أعمال تتوسّط أماكن وساحات بعض الدول، وجد في قساوة حجر الصوان والبازلت وأنواع الرخام سحراً فحوّل القساوة إلى عجينة لينة، أما الخشب فكان خامة مناسبة لإحساسه الشاعري بالمنحوتة، إضافة إلى تقنيات التصوير والغرافيك والخزف التي وظّفها بأعماله التصويرية التي استلهمها من الطبيعة والحياة والتراث.
ولم يقتصر إبداعه على النحت والتصوير، فشهادة الدكتوراه التي حصل عليها من أكاديمية بطرسبورغ كانت بداية بحثه الدؤوب بالفنّ التدمري وفنّ الحضارات القديمة والحضارة المصرية القديمة بشكل خاص، فألّف الكتب وقدم العديد من الأبحاث. ورغم كلّ انشغالاته اهتمّ بالتراث الغنائي الموسيقي وتاريخ الفنّ التشكيلي فشارك وأشرف على العديد من النشاطات والندوات في المراكز الثقافية.
تنوّع الأساليب
وقد حفل معرضه “كتلة ولون” بتنويعات وتقنيات وأساليب مختلفة، إذ تنوّعت خامات المنحوتات وأحجامها واللوحات والمجسّمات المسطحة، فبدا أشبه بمتحف صغير اختزل تجربة د. فؤاد طوبال الممتدة عقوداً من الزمن.
وبدأ حديثه لـ”البعث” من العنوان: أطلقتُ على المعرض عنوان “كتلة ولون” لأنني اشتغلتُ بالنحت والتصوير والغرافيك والرسم على الزجاج والخزف، وكان اللون حاضراً حتى بالمنحوتات، لأننا اليوم وصلنا إلى اندماج بين الفنون والثقافات، وحدة بالتيارات وحدة اندماج للمجسم واللوحة حتى الإعلان يندمج مع المجسم أحياناً، والخامات سهلت هذا الاندماج، ومن خلال تجربتي نوّعت بمختلف الأساليب التعبيري والانطباعي والرمزي حتى الواقعي، بين التصوير والنحت والنفس المعماري وخامات الخشب والحجر والبولستير.
ثم توقفتُ معه حول المنحوتة المسطحة “المحترقة”، والتي استلهمها من تأثره بحادثة احتراق امرأة شابة إثر حريق نشب ببيتها: بالمصادفة وجدتُ قطعة الخشب من شجر الجوز وكان جزءاً منها محترقاً عند مشغل صديقي بشار الحلبي صانع الأعواد، ولم أستطع أن أناور إلا بخمسة سنتمترات تقريباً، لأنحت حركة الرقبة والاستدارة وأنجزت الساق من جذع الخشبة، ولونها الغامق يعود إلى لون الاحتراق وأضفت إليها الزيت فقط.
آلهة عشتار
وتابع عن المنحوتة الكاملة التي شخّص فيها جسد الأنثى بطوله بثوبها المزركش بدوائر: شاركتُ بملتقى في قلعة دمشق فوجدت خشبة من شجر السرو لها الكثير من الفروع والجذوع، فالفروع الصغيرة التي قصصتها بدت كأنها ورود داخل الثوب، وتتكرر الأنثى بأعمالي مثل منحوتة ولادة عشتار آلهة الحب والجمال لأنها ترمز إلى كل شيء، ومنحوتة المرأة أمام المرآة، والمرأة المغتسلة والتي نحتّها من حجر قاسٍ جداً طوّعته ليصبح عجينة لينة.
الرسم على الزجاج
وفي مجال التصوير نفذتُ بتقنية الرسم على الزجاج مشهداً معمارياً استهواني رأيته في السعودية لمسجد، فحللته ثم حوّلته إلى خطوط ورسمته مباشرة بالعصارة بألوان زاهية على خلفية زرقاء. أما الجدارية الكبيرة للوحة الوجوه فاستوحيتها من مشهد تاريخي وتراثي من ثنائية الحياة والموت والرمز الفلكي وعدد من الشخوص المختلفة مشاربهم، منهم المولوي والشيخ والشعبي (القبضاي)، ثم توقفتُ معه حول منحوتة البولستير المعتقة لجبل قاسيون وما يعني لدمشق.
أسماء كبيرة
وعن آراء الزائرين بالمعرض عقّب بأنه لاقى أصداء إيجابية لقراءات مختلفة وفق ثقافة المتلقي ورؤيته، وقد زار المعرض نخبة الفنانين وأسماء كبيرة بالمشهد التشكيلي السوري.
التواصل الثقافي
وقد عبّر المعرض عن رسالتي بالتواصل الثقافي من المراكز الثقافية، ولاسيما أنني قدّمت العديد من النشاطات الثقافية والندوات النقدية، فرحبتُ بدعوة وزارة الثقافة -مديرية ثقافة دمشق- فالثقافة تنتشر رغم الأوضاع الصعبة التي تمرّ بها سورية، وأصبح لدينا العديد من الفرق الموسيقية والعديد من عازفات الناي والفلوت المتصفات بحسّ شاعري مرهف تعقيباً على تعليقك بأن عازفات الناي أقل من العازفين.
مازال النحت خجولاً؟
وفي نهاية الحوار مع د. فؤاد طوبال سألته عن المشهد النحتي الذي مازال خجولاً أمام التصوير؟ فأجاب: يوجد لدينا نحاتون جيدون هربوا إلى التصوير لصعوبة تنفيذ العمل النحتي الذي يتطلّب استخدام آلات كهربائية تنتج عنها أصوات مزعجة للجوار، النحت بحاجة إلى مكان خاص للتنفيذ، بينما يستطيع الفنان أن يرسم في المنزل.
وعن إقبال الطلاب في كلية الفنون الجميلة على قسم النحت؟ نوّه بأن أغلب الطلاب يميلون إلى الديكور والغرافيك، وبعض الطلاب يختارون النحت برغبتهم، وآخرون يلتحقون بقسم النحت وفق المفاضلة، ورغم ذلك فقسم النحت يضمّ طلاباً استطاعوا أن يتعاملوا مع الخامات والأدوات بمهارة، وأنوّه بمهارة الطالبات النحاتات واحتمالهن قساوة الحجر والصاروخ والغبار، والحقيقة أن كلية الفنون الجميلة بكل أقسامها تخرّج طلاباً متمكنين وماهرين.