ثقافة

القنوات التلفزيونية من الإصلاح الاجتماعي إلى خلق واقع كارثي

حلقة كارثية تخرج عن نطاق السيطرة في برنامج وتعرضه إحدى القنوات العربية، إذ تتمكّن وسيطات البرنامج المتعاونات، وبصعوبة، من التواصل مع أفراد العائلة التي انقطع شملها وتفرق، لتصبح الأم المنبوذة الوحيدة، والخاسرة الأولى، فتتحوّل هدية شهر عيدها إلى “ركل” على الهواء مباشرة، وتهديد بالذبح والقتل علناً.
تتكثف أحداث الحلقة بأسلوب درامي متصاعد، وبالرغم من تخمين متابعي البرنامج بأن الحلقة ستنتهي بعناق واحتضان أم لأولادها، بعيداً عن سياط الرجل الذي طلّقها قبل سنوات سبع في المحكمة، وقد تهجّم عليها أمام القضاة والشيوخ، إلا أنها تحوّلت إلى سابقة تلفزيونية قلبت كل الموازين، وأبعدت كل التوقعات، ففي حلقة عرضت منذ عشرة أيام تعرض الأم مأساتها ومعاناتها، لقسوة طليقها حتى بعد الانفصال، وعدم تمكّنها من رؤية ولديهما عمر 27، وأحمد 15 سنة، لسبعة أعوام رغم سماح المحكمة لها برؤيتهما ساعتين في الأسبوع.
الأم تبكي وتنوح، تطالب برؤية ولدها الأصغر الذي يحرمه الأب منها، وتحشو رأسه زوجة أبيه بكلام سيئ عن الأم فيرفض أن يراها، أو يسمع صوتها، أو حتى يجلس في المكان نفسه الذي تجلس فيه.
الابن البكر عمر ترك منزل والده وسافر خارج بيروت بعد أن حاول أن يراها لمرة واحدة خلال السنوات السبع.. من جهتها الأم تؤكد أن سبب طلاقها كان الضرب، وسحق الحقوق، والشخصية، وسكر الزوج، وعربدته، فيما الزوج يتواصل مع مقدم الحلقة، والوسيطة ليتمكن أحمد من المشاركة في البرنامج، وإبداء رأيه في أمه على الهواء مباشرة.
قبل سنوات سبع، صدر حكم بالطلاق، وتحرّرت الأم لتكتفي بالعمل كخادمة في البيوت لتعيش، كما كانت تفعل حتى حين كانت في منزل زوجها المصاب بالديسك والذي لا يستطيع أن يعيل عائلته، كما باءت كل محاولتها للتواصل مع أولادها بالفشل، إذ بات ابنها الأصغر كارهاً لها، حاقداً عليها، والسنوات التي مرت تمكّنت من شحذ الحقد والكراهية في قلبه، وجسده الصغيرين، حتى أصبح مراهقاً قد نبت شارباه.
تبدأ مجريات الحلقة بالتصاعد حالما يعرف أحمد أن والدته في الاستوديو، ويرفض أن يخطو ولو خطوة واحدة، ويبدأ بالارتجاف، والتهديد بتحطيم أي شيء حتى الاستوديو، ويتفوه بسيل من السباب، لكن المقدِّم  يتمكن أخيراً من جمع المراهق أحمد مع والدته بوجود مختصين نفسيين، ومحامين، وقضاة، ولكن ضمن لعبة تبادل الأدوار، إذ يصبح أحمد هو المذيع بغية سؤالها عما دار في خلده على مر السنوات وما سمعه حتى من أبناء الضيعة عن سمعة والدته.
فهل يحق للابن مساءلة والدته، ومحاسبتها؟ أم أنها دورة الزمن، حيث يتبيّن أن الأم ضربت والدتها، وتسببت في كسر يدها، بعد أن ادعت أنها في زيارتها لأيام ثلاثة، فيما أتت الأم تبحث عن ابنتها التي لم تزرها منذ فترة.
ففي مواجهة حادة يجتمع الولد بأمه بعد أن كان في قاعة المحكمة قبل سبع سنوات يرتجف، ويبكي ناظراً إليها، دون سبب مقنع، فهو من حينها يرفض رؤيتها، أو مواجهتها.
ومن متابعة تفاصيل، وحركة أحمد نلاحظ توتره، والكم الهائل من الألم الذي يعانيه، وهذا ما أكده ضيوف البرنامج، فمن الواضح الحالة النفسية المتدنية التي يعيشها، والتي جعلته أكثر من مرة يهدّد والدته بالذبح والقتل ما إن تتحدث عن والده مستفزة إياه، ليدخل أحمد في حالة دفاع مستميت عن والده، ثم يقفز على الطاولة، وأمام الكاميرات، والحضور، والبث الحي، يركل والدته دون أن يستطيع أحد منعه، لكنه ينزل، وهو يبكي، فيما يستوعبه مقدم الحلقة، والمختصون، ليتبين أنه فعلاً يعاني مشكلة الإهمال، واللامبالاة بحق ذاته قبل أي أحد، وكي لا يتحول مراهق اليوم إلى مجرم الغد، نبش مقدم الحلقة جوانيات أحمد، وبدأ بتحقيق أحلامه ليعود إلى الطريق القويم، من متابعة للدراسة، وتخصص فندقي، ريثما تنكشف الحقائق، ويتمكن من الرؤية بشكل أوضح، وأقل خطورة.
لكن يظل السؤال: هل يحق لابن معاقبة والدته؟ من المسؤول عن ضياع أحمد؟ أيهما الضحية بحق؟ وهل يصلح الدهر ذلك الوجع الساكن في الثنايا قبل فوات الأوان؟!.
ديمة داوودي