صحيفة البعثمحليات

في اليوم العالمي للصحة النفسية.. أقل من 80 طبيباً و4 مراكز علاجية في جميع المحافظات

دمشق – لينا عدره

نقصٌ كبيرٌ جداً في أعداد الأطباء النفسيين الذين لا يتجاوز عددهم الـ 80 طبيباً في كلّ سورية، ويتركز معظم هؤلاء في المدن الكبرى كدمشق وحلب، مع غيابٍ كليٍّ لأي طبيب في عددٍ من المحافظات، إضافةً لسفر أعدادٍ كبيرة من الخريجين الشباب نتيجة ظروفٍ معينة.

وفي تصريحٍ لـ “البعث”، بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، أوضح الدكتور يوسف لطيفة رئيس قسم الأمراض الباطنية الاختصاصي في الطب النفسي في مستشفى المواساة، أن هذا الانخفاض لا يقتصر على العنصر البشري، بل يشمل المراكز الصحية والمستشفيات المتخصّصة بالطب النفسي، والتي لا يتجاوز عددها أربعة، ثلاثة منها تتبع لوزارة الصحة إضافةً للشعبة النفسية في المواساة، مشيراً إلى أن الصحة النفسية ليست رفاهية، بل هي جزء مهمّ من متطلبات ضرورية وركيزة أساسية لبناء مجتمع سويّ.

لطيفة أكد خلال حديثه أن النقص الحاصل في الكادر الطبي ليس بالأمر الجديد، فقد عانى هذا الاختصاص حتى قبل فترة الحرب من ضعفٍ ونقص في أعداد الأطباء وقلة المراكز، إلا أن الحرب لا شك أدت إلى تراجعٍ كبيرٍ جداً بالأعداد.

وحول مفهوم الصحة بيّن لطيفة أن منظمة الصحة العالمية أضافت الصحة النفسية كجزء من الصحة عامةً، بعد أن كان مفهوم الصحة سابقاً مُقتصِراً على خلو الجسم من الأمراض الجسدية فقط، في حين بات اليوم الشخص الذي لا يعاني من أية أمراضٍ واضطرابات نفسية وجسدية على حدّ سواء شخصاً معافىً وسليماً.

وحول أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً في أوقات الأزمات، بيّن لطيفة أن الأزمات والكوارث والحروب تؤهب الكثير من الاضطرابات النفسية، أو قد تكون سبباً في مجموعة منها، كالاضطرابات المرتبطة بالصدمة “اضطراب الكرب أو الصدمة النفسية الحادة” التي قد تصيب الشخص بعد تعرّضه لصدمة نفسية تهدّد توازنه وبقائه النفسي والجسدي، ترافقها أعراض معينة تبدأ بالظهور خلال 24 ساعة من التعرض للصدمة ولا تتجاوز 30 يوماً، لافتاً إلى أن تجاوز مدة الشهر يشير إلى دخول الشخص لما يُسمّى “اضطراب الكرب أو اضطراب التوتر والإجهاد ما بعد الصدمة أو ما بعد الرض، وهما المرضان الأكثر شيوعاً، اللذان تمّت ملاحظتهما في المجتمعات التي تعرّضت لكوارث أو حروب”، تصاحبهما أعراض عدة كالقلق والعصبية الزائدة والنزق وعدم التركيز والنسيان والأرق وفقدان الشعور بالمتعة وتوقع الأسوأ والشرود، إضافةً للكوابيس المرتبطة بالحدث الصادم وشكاوى جسدية وصداع وآلام في الكتف والرقبة والبطن والإسهال في بعض الأحيان، ونقص في الشهية أو العكس شراهة وزيادة في الوزن أو هروب للنوم مع شعوره بأنه يعيش من دون هدف.

ويؤكد لطيفة أن اضطراب الكرب ما بعد الصدمة هو الأكثر انتشاراً في سورية بنسبةٍ تصل إلى 30%، وخاصةً بين طلاب المدارس والجامعات، بناءً على أبحاثٍ أُجرِيَت مؤخراً، وانتشاره بنسبٍ قد تتجاوز 30% في معظم دول العالم، لافتاً إلى أن النسب الطبيعية في الأحوال العادية للمجتمعات المستقرة يجب أن تتراوح ما بين 5- 10%.

وبيّن لطيفة أن نسب الاضطرابات النفسية في مجتمعنا ورغم ارتفاعها إلى أنها أقل من المتوقع، في مؤشرٍ إيجابي على قوة المجتمع السوري وبنيته المتماسكة وقدرته على التكيف والتقبل، مؤكداً أن أي مجتمع ذي قدرة تكيّف منخفضة لو تعرّض للظروف القاسية التي تعرّض لها المجتمع السوري لكانت نسب الاضطرابات النفسية فيه مرتفعة بشكلٍ كبير جداً.

أما عن نظرة المجتمع للمرض النفسي وما يرافقها من وصمة عار أو خجل، فيؤكد لطيفة أنه، وعلى الرغم من أن الخوف من مراجعة الطبيب لا يزال موجودا وبنسبة مرتفعة، إلا أن السنوات الأخيرة بيّنت ارتفاع الوعي تجاه الأمراض النفسية بشكلٍ ممتاز وبنسبةٍ عالية، وخاصةً مع تقبل الناس لوجود مرض نفسي، مشدداً على أهمية الدورات التوعوية ووسائل الإعلام إضافةً لمعاناة الشخص نفسه التي تدفع به لكسر الحواجز الوهمية تجاه الوصمة والخوف والخجل من مراجعة الطبيب، لافتاً إلى أننا بتنا نلحظ نوعاً من الاستبصار والوعي في المجتمع، لوجود وضرورة مواجهة المشكلة النفسية بالتوجّه لمعالج نفسي في الحالات الخفيفة كالقلق أو الاضطرابات النفسية العابرة لعدم حاجتها لأدوية، أو لطبيبٍ نفسيٍّ في الحالات المتوسطة والشديدة التي لا بدّ من المعالجة الدوائية لها، نافياً جملةً وتفصيلاً النظرة الخاطئة غير الصحيحة حول كل ما يُشاع عن التأثيرات الجانبية للأدوية النفسية، مضيفاً أن ما يثير الدهشة عند البعض تركيزهم على التأثير الجانبي للأدوية النفسية ونسيان التأثير الجانبي لأدوية السرطان على سبيل المثال لا الحصر، مؤكداً أن تأثيرات الأدوية النفسية جانبية وعابرة ومؤقتة، رافضاً الظلم والتمييز للمرضى وللأدوية النفسية، ومشدداً على أنها آمنة ولا تسبّب أي نوع من الإدمان، وخاصةً إذا ما أُعطيَت عن طريق طبيب، مشيراً إلى أن إدمان غالبية الأشخاص على الأدوية النفسية سببه قطعاً ليس الطبيب، وإنما قد يكون عن طريق أخذه نصيحةً من بعض الأشخاص، جازماً بأن احتمالية إدمان أي مريض يلتزم بوصفة طبيبه إن لم تكن صفراً فهي حكماً منخفضة جداً جداً، لافتاً إلى أن قلة التنسيق بين الأطباء والصيادلة ونقابة الأطباء قد ينجم عنها عدم تقيّد بعض الصيادلة بالوصفات الطبية.

ويؤكد لطيفة أن استخدامنا لوسائل دفاع نفسية للتخفيف من المشكلات النفسية كالرضا وتقبل الواقع هو جزء مهمّ جداً يساعدنا كثيراً، لأن رفض الواقع وعدم تقبله من أهم الأسباب المؤدية للمشكلات النفسية، وبالتالي لا بدّ لنا للتخلص من تلك المشكلات من التمتع بنظرة مستقبلية إيجابية.