صحيفة البعثمحليات

منازل إنتاجية!

بشير فرزان 

لم يعد اتساع الفجوة بين الدخل الشهري والإنفاق محلّ نقاش أو اختلاف بين جميع النظريات الاقتصادية والواقعية، وبشكل يؤكد أهمية الإسراع في الانتقال إلى مرحلة الحلول بشكل أعمق وبأسلوب أكثر تفاعلية وقدرة على التجاوب السريع مع المتغيّرات المعيشية، وخاصة مع تتالي الأزمات التي كرّستها الحرب وظروف الحصار الاقتصادي الذي تشتدّ تداعياته مع الإمعان في ملاحقة لقمة عيش الموطن ومحاصرة سبل عيشه واحتياجاته من قبل الدول التي تحاول بشتى السبل التأثير في المواقف الوطنية والقومية حيال العديد من القضايا والملفات.

ومع اشتداد وطأة العبء المعيشي بفعل قوة الحصار، لا بدّ من الانتباه إلى أن انتظار الحلول الحكومية، والاتكال الكليّ على إمكانياتها، وما تقدّمه للمواطن، يشكّل في هذه الأيام الصعبة انتكاسة حقيقية للجهود التي تُبذل للخروج من أزمة الواقع المعاشي الحالي، واستنفاداً حقيقياً للفرص، واستنزافاً سريعاً للإمكانيات التي تفرض بواقعها الحالي ضرورة إتباع إستراتيجية استثمارية تستفيد وتجنّد كلّ ما هو متاح في معركة الصمود ومواجهة التحديات التي تحتاج إلى تكثيف الجهود للتعامل مع الحياة بمسؤولية وبأسلوب اقتصادي جديد يحتال من خلاله على الظروف الصعبة، بحيث تغيب تلك القناعات التي تعيق أي تحرك مجتمعي نحو ترميم الفجوة وخلق المزيد من الفرص الإنتاجية مهما كانت صغيرة أو بدائية.

وما يثير الانتباه أن الكثير من الناس لا يشعرون بالإحراج من أي عمل يقومون به لكسب الرزق، طالما أنه لا يعكّر صفاء الحياة الاجتماعية أو يخدش حياء المجتمع، وخاصة في هذه الأيام المكتوية بالتحديات والأوجاع التي لا تهدأ، وفي مقدمتها قلة مصادر الرزق التي باتت في حدودها الدنيا بعد أن تآكلت ممتلكات الناس وذابت مدخراتهم في زحمة الأعباء المعيشية، وهذا يتطلّب تكثيف عمليات البحث عن موارد مالية جديدة لرفد الدخل ودعم الإنفاق الأسري، وتوجيه البوصلة الحياتية المعيشية بشكل عقلاني نحو قراءة المستجدات والحياة بشكل آخر، واتخاذ الكثير من الإجراءات الاحترازية التي تدور في فلك الاقتصاد المنزلي بكلّ أدواته وطرقه، ابتداءً من العمل على تحويل المنازل إلى منشآت إنتاجية صغيرة قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مراحلها الأولى، سواء الزراعي منها أو الصناعي الخدمي، وذلك ضمن منظومة معيشية تعتمد على العمل الأسري الجماعي الذي يشكل اليوم مصدراً مهماً للدخل وتحسين الظروف، وهذا يشكّل الهدف الرئيسي لإستراتيجية المشاريع الصغيرة التي يُقدّم لها اليوم دعم لا يُستهان به وخاصة لجهة الإقراض وتقديم كافة التسهيلات.

ومن المفيد الآن إعادة تقييم مرحلة كاملة من العمل في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ووضع تصنيف للمشاريع التي كان لها فاعلية في تغيير الوضع المادي وتحقيق الهدف المطلوب منها، مع دراسة أسباب إخفاق المشاريع في المسارات الأخرى والارتكاز على ذلك لتوجيه الدعم إلى مطارح منتجة وذات فاعلية، وهنا تبدأ ما يمكن أن نسمّيها الإنتاجية الحقيقية التي غالباً ما تُطمس معالمها وأرقامها بمتواليات حسابية غير صحيحة أو غير منسجمة مع الواقع الفعلي للمشاريع!