كارثة غزة.. سؤال لأخلاق الإنسانية!
عناية ناصر
أثارت الأزمة المتصاعدة والإنسانية الجديدة في قطاع غزة قلقاً عميقاً في العالم، وعلى الرغم من تأجيل “إسرائيل” أمر الإخلاء لجميع السكان في شمال قطاع غزة للانتقال إلى الجنوب خلال 24 ساعة، يواصل الجيش الإسرائيلي الاستعداد لشنّ هجمات برية. وفي الوقت نفسه، يتدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة بسرعة، مع تزايد خطر وقوع كارثة كبرى بسرعة. ووفقاً لوكالات الأمم المتحدة، فإن ما يقدّر بنحو مليون شخص قد نزحوا حتى الآن من قطاع غزة، إضافة إلى أن احتياطيات برنامج الغذاء العالمي في غزة تنفد، وأزمة المياه هي “مسألة حياة أو موت”، ووصفت منظمة الصحة العالمية أمر الإخلاء بأنه “حكم بالإعدام” على الجرحى والمرضى.
لقد تسبّب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بانقسامات وفوضى أوسع نطاقاً على مستوى العالم، حيث شهدت جامعات هارفارد وستانفورد وكولومبيا وغيرها من الجامعات الأمريكية المرموقة مواجهات شديدة بين مؤيدي الجانبين، وخرج عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع دعماً لفلسطين ومعارضة للولايات المتحدة “وإسرائيل” في مختلف دول الشرق الأوسط وباكستان وبنغلاديش. كما تشعر العديد من الدول الأوروبية بالقلق إزاء ظهور ما يُسمّى “معاداة السامية” الداخلية والصراعات داخل المجتمعات المتنوعة. تُظهر الجولة الجديدة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قوة تدميرية تتجاوز “الزوبعة في فنجان الشاي”، فقد أصبحت آراء الناس بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مستقطبة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أدى انتشار المعلومات الكاذبة وخطاب الكراهية إلى اتساع الفجوة بين الجانبين.
لقد كان ينظر إلى القضية الفلسطينية دائماً على أنها جرح في الضمير الإنساني، وكان وراء كلّ اندلاع للصراع، هناك علاقات سببية معقدة يصعب فصلها وتفكيكها. وبعيداً عن الهجمات المحدّدة، قد تكون هناك علاقة بين ضحية وأخرى. إن تهدئة الوضع والبحث عن الحلول الممكنة ليس فقط اختباراً للتعاون متعدّد الأطراف للمجتمع الدولي، بل هو أيضاً سؤال لأخلاق الإنسانية. إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحالي وتأثيراته على الشرق الأوسط، وحتى على مستوى العالم هو بمثابة تحذير آخر للعالم. وفي هذا العصر الذي يتسم بتصاعد الصراعات والاضطرابات، من الأهمية بمكان بشكل خاص تجنّب النسبية الأخلاقية والغضب الانتقائي. ففي حال السماح للعداء المتبادل والانتقام بأن يتفاقم، فإن جرح الضمير الإنساني لن يلتئم فحسب، بل قد يصبح أيضاً طريقاً مسدوداً للضمير الإنساني، مما يزرع بذوراً لصراعات أطول أمداً وأكثر انتشاراً.
إن المهمّة العاجلة التي تواجه المجتمع الدولي هي منع وقوع كارثة إنسانية خطيرة جديدة في قطاع غزة، وتجنّب وقوع المزيد من الضحايا بين المدنيين الأبرياء، ويمكن القول إن معظم الدول الكبرى وأعضاء المجتمع الدولي لديها إجماع حول هذه النقطة. وبمجرد شنّ الهجمات البرية، ستكون العواقب الإنسانية التي يواجهها قطاع غزة مؤلمة للغاية. وفي هذا الخصوص حذّرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فرانشيسكا ألبانيز، من أن “هناك خطراً كبيراً يمكن أن نشهده وقد يكون تكراراً لنكبة 1948 ونكسة 1967، لكن على نطاق أوسع”. ولهذا السبب يتوجّب على الولايات المتحدة حثّ “إسرائيل” على ممارسة ضبط النفس.
إن الحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي أنه لا توجد في الوقت الحالي أي قوة دولية قوية يمكنها أن تعزّز بشكل كبير وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وذلك لأن هذا الأمر يتطلب جهوداً مشتركة من كافة الدول في هذا الاتجاه، ويجب على القوى الكبرى ذات النفوذ الدولي الأكبر أن تكون قدوة. وكما قال الجانب الصيني، عند التعامل مع القضايا الإقليمية الساخنة الدولية، يتعيّن على القوى الكبرى الالتزام بالموضوعية والحياد، والحفاظ على الهدوء وضبط النفس، وأخذ زمام المبادرة في الالتزام بالقانون الدولي. وينبغي القول إنه عندما يتعلّق الأمر بتطبيق الإجماع على منع وقوع كارثة إنسانية في قطاع غزة، فإن واشنطن تتحمّل مسؤولية خاصة، إلا أن “صوابها السياسي” يعيقها عن تهدئة الوضع وتجنّب تصعيد الصراعات، لدرجة أن وزارة الخارجية الأمريكية غير راغبة في السماح لدبلوماسييها باستخدام كلمات مثل “وقف التصعيد، وقف إطلاق النار”، “وضع حدّ للعنف وسفك الدماء” و”استعادة الهدوء”، وهذا أمر صادم حقاً، بغضّ النظر عن المصالح الإستراتيجية التي تريد واشنطن تحقيقها، فيجب عليها أولاً أن تلتزم بالحدّ الأدنى من الأخلاق.
خلال الأيام القليلة الماضية، أجرى الجانب الصيني محادثات هاتفية مع مسؤولين من الولايات المتحدة والسعودية وإيران ودول أخرى لتوضيح مواقفهم بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إضافة إلى ذلك، سيقوم المبعوث الخاص للحكومة الصينية للشرق الأوسط بزيارة الدول المعنية في المنطقة في المستقبل القريب لبذل جهود نشطة لتعزيز وقف إطلاق النار وإنهاء العنف وتهدئة الوضع، على أمل أن رؤية وقوف المزيد من البلدان إلى جانب السلام والعدالة والقانون الدولي والتطلعات المشتركة لغالبية البلدان والضمير الإنساني. وهذا الأمر لا يهدف فقط إلى تجنّب تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة قدر الإمكان، بل أيضاً إلى اتخاذ موقف مسؤول تجاه السلام والأمن في الشرق الأوسط والعالم.