دراساتصحيفة البعث

قبل 30 عاماً.. قتلت اتفاقيات أوسلو حل الدولتين

هيفاء علي

جوناثان غروبارت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية سان دييغو، ينعى اتفاقيات أوسلو التي قتلت حلّ الدولتين، والتي احتفل قسم كبير من العالم بالتوقيع عليها قبل ثلاثين عاماً، عندما التقى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين. يومها، بدا السلام أخيراً في متناول اليد، ولكن حلم أوسلو مات منذ زمن طويل، وهناك وفرة من التحقيقات اللاحقة حول أسباب فشل إطار أوسلو.

ويرى أن أوسلو كانت بمثابة علامة على اختفاء الإجماع العالمي طويل الأمد بشأن قضية الدولتين، ولفهم السبب، فمن الضروري التذكير بإيجاز التناقض بين الإجماع العالمي على حلّ الدولتين وإطار أوسلو. ومن خلال الجهود المشتركة لمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة عدم الانحياز (120 دولة)، وضعت الأمم المتحدة معيارين إضافيين خلال النصف الثاني من السبعينيات: الأول كان إعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو شرط ضروري للحلّ السلمي. والثاني، اعتبرت إدانة الاستيطان الإسرائيلي انتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة وعائقاً كبيراً أمام السلام.

وفي عام 1980، وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على كلا المسارين اللذين حظيا بدعم هائل داخل الأمم المتحدة، باستثناء “إسرائيل” فيما يتعلق بالمستوطنات، و”إسرائيل” والولايات المتحدة بشأن وضع اللاجئين، معتبراً أن “إسرائيل” استخدمت اتفاقيات أوسلو وبدعم الولايات المتحدة، لإنشاء حركة جديدة، وإطار تفاوضي يتحدّى الإجماع العالمي على حلّ الدولتين، مستفيدة من الموقف الضعيف لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في أوائل التسعينيات، والتي خسرت أرضها بعد الانتفاضة الأولى أمام عناصر المقاومة المستقلة في الأراضي المحتلة.

وفي إطار أوسلو، تمّ إعادة تأهيل “إسرائيل” من كونها العائق الرئيسي أمام السلام إلى كونها طرفاً تتطلب مصالحه الأمنية والسياسية اهتماماً بالغاً. وتحت الذريعة المريحة المتمثلة في ترك جميع القضايا للتفاوض، سُمح “لإسرائيل” الآن بالحفاظ على مستوطناتها وتوسيعها إلى أجل غير مسمّى. وكما ذكر مؤخراً آرون ديفيد ميلر، وهو عضو بارز في الفريق الدبلوماسي الأميركي: “لم يكن مسموحاً لنا حتى باستخدام عبارة المستوطنات تشكل عقبة أمام السلام”.

ولحرصها على إدارة الاحتلال بدلاً من إنهائه تدريجياً، أنشأت “إسرائيل” شبكة واسعة من نقاط التفتيش الأمنية للفلسطينيين، وطرقاً التفافية تسمح للإسرائيليين بالسفر مباشرة من المستوطنات إلى “إسرائيل”، مما أدى إلى تعطيل الحياة اليومية للفلسطينيين، وقطع التواصل الفلسطيني، ومنع السلطة من إنشاء نظام متماسك وفعّال لإدارة الشؤون العامة. وإلى جانب الأعمال الانتقامية والفشل في الالتزام باتفاقيات الانسحاب المؤقتة، أثارت “إسرائيل” يأس الفلسطينيين وسخطهم في ربيع عام 2000، الأمر الذي ساعد في إشعال شرارة الانتفاضة الثانية بعد فشل مفاوضات “كامب ديفيد” في ذلك الصيف. ومن الجدير بالذكر أن “إسرائيل” لم تدعم رسمياً شكلاً ما من أشكال الدولة الفلسطينية إلا بعد اندلاع الانتفاضة الثانية وانتخاب المتشدّد آرييل شارون رئيساً للوزراء. ولكن بدلاً من الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة، كان نوع الصفقة التي كانت في ذهن “إسرائيل” مجرد دولة بالاسم، محاطة بالكتل الاستيطانية، ومطوقة بمناطق أمنية وجهاز أمني إلى أجل غير مسمّى!.

ويضيف جوناثان غروبارت أنه بتواطؤ الولايات المتحدة، جردت “إسرائيل” فكرة الدولتين من أي قيمة جوهرية. وفي السنوات الأخيرة، تحركت السياسة الإسرائيلية بعيداً نحو اليمين الشوفيني، حتى أن الحكومة الحالية استبعدت تقديم أي تنازلات للفلسطينيين. ومع صعود الأحزاب السياسية القومية المتطرفة وتعيين وزير للأمن القومي يعلن صراحة أن حقوق اليهود تتفوق على حقوق العرب، يسود التفوق اليهودي في جميع أنحاء ما يُسمّى “إسرائيل الكبرى”. ولهذا السبب ترفض “إسرائيل” الآن حتى النسخ الأولية للدولة الفلسطينية التي اقترحها المفاوضون الأميركيون على مدى العقدين الماضيين. والعزاء الوحيد في المسار السياسي الكئيب الذي تعيشه “إسرائيل” هو أنه لم يعد من الممكن التشبّث بوهم إمكانية إحياء الإطار التفاوضي الذي أنشأته أوسلو، ويتعيّن على العالم أن يرى ما إذا كان من الممكن إعادة تنشيط الإجماع العالمي الموجود مسبقاً بشأن حلّ الدولتين، والذي لا تزال الأمم المتحدة والهيئات الإقليمية تؤكد عليه. وما لا يمكن إنكاره هو الحاجة إلى نهج دبلوماسي متحول بالكامل لإنهاء استعباد “إسرائيل” للفلسطينيين، نهج لا تشرف عليه الولايات المتحدة ويخضع لتفاوت القوى الشاسع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. والخطوة الأولى لا تتمثل في الحداد على وفاة أوسلو، بل على ولادتها قبل ثلاثين عاماً.