“تجربة فاشلة”
معن الغادري
يرجع الكثير من المتابعين والمختصين أسباب تزايد وتفاقم الأزمات المعيشية، على وجه التحديد، إلى ضعف وهشاشة منظومة العمل المؤسّساتي والرقابي، يضاف إلى ذلك وفرة التجارب الفاشلة على مدى السنوات الماضية والتي خلقت واقعاً فوضوياً وزادت من حدّة الأزمات بدلاً من أن تسهم في حلها.
ولعلّ الأمثلة في هذا المجال كثيرة وكثيرة جداً، وهي أشبه بكرة الثلج كلما تدحرجت كبر حجمها وزاد تأثيرها السلبي على المشهد العام للواقع المعيشي المأزوم أصلاً، ومردّ ذلك أن المسافة ما زالت بعيدة بين ما يجري وبين الرقابة المفترض أن تكون صاحية وراصدة ومانعة وضابطة للعمل التنفيذي الذي يشوبه الكثير من المخالفات والتجاوزات والتحايل على القوانين.
وبعيداً عن الغوص في تفاصيل التجارب الفاشلة والاجتهادات الشخصية ذات الصبغة المنفعية، والتي أودت بنا إلى هذه الحال الضاغطة، لا يمكن تجاهل أو إغفال مفاعيل تجربة “معتمدي وموزعي الخبز” التي أثبتت فشلها الذريع في ضبط وتنظيم مخصّصات المادة وإيصالها بيسر وسهولة وبسعرها المحدّد دون أي زيادة إلى المواطنين، بل على العكس أسهمت، في حلب على وجه الخصوص، بزيادة مساحة الفساد والاسترزاق غير المشروع، وهو ما تؤكده الشكاوى والمشاهدات اليومية لآلية التوزيع في الأحياء، لجهة التعامل الفظ مع المواطنين، وبيع ربطة الخبز المزدوجة (14 رغيفاً)، و”على عينك يا تاجر”، بعشرة أضعاف سعرها الحقيقي، المحدد بـ 400 ليرة، يضاف إليها هامش ربح بسيط مع أجور النقل، وهو ما يطرح الكثير من الأسئلة حول دور المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة وحماية المستهلك في ضبط هذا الملف، والذي ما زال البعض يحاول تجميله على الرغم من وضوح المخالفات والممارسات وضوح الشمس.
وهنا لا بدّ من التأكيد مجدداً أن إطالة حلّ هذا الملف تعطي الغطاء الشرعي والقانوني لممارسة هذه المخالفات والتجاوزات، وبالتالي لا بد من إعادة النظر كلياً بهذه التجربة الفاشلة، وإيجاد سبل وطرق أفضل لتوزيع مادة الخبز، ونرى أن السورية للتجارة بفروعها ومراكزها المنتشرة في كلّ الأحياء، وعبر سيارتها المتنقلة المنتشرة، بالإمكان أن تكون بديلاً نزيهاً للقيام بهذه المهمة، فهل تتنبه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لهذا الأمر، وتضع حداً لضعاف النفوس والذين لا يوفرون أي فرصة للمتاجرة بقوت المواطن؟!